عبدالله الزير

بائعو الأمل

السبت - 11 يناير 2020

Sat - 11 Jan 2020

لا يكاد يمر أسبوع لا يظهر فيه خبر في وسائل التواصل الاجتماعي يتحدث عن حل جديد أو اختراع عبقري يشفي من السرطان أو يداوي مرض الإيدز أو يحرق الدهون المتراكمة. وبما أن الغريق يتعلق بقشة، فلا غرابة أن تجد بعض الناس ينجرف في تصديق هذه الأخبار دون تثبت من صحتها. وما يزيد من مصداقية هذه الأخبار عند العامة أن يساهم بعض المختصين في المجال بنشر تلك الأخبار بحسن نية، فصانعوا تلك الأخبار هم ممن لهم خبرة في أساليب الإقناع في كثير من الأحيان. ومن أشهر حكايات الاحتيال العلمي تاريخيا ما نشر عام 1998 في مجلة لانست البريطانية على يد العالم أندرو واكفيلد، فقد بينت دراسته أن اللقاح الثلاثي (MMR) له علاقة بحدوث مرض التوحد عند الأطفال. وقد صدق نتائج دراسته العديد من المختصين وكثير من العامة، مما أدى إلى تراجع نسب التطعيم لهذا اللقاح في العاصمة لندن إلى ما يقارب 70% عام 2004. ولم يفق العالم من تلك الخدعة إلا بعد مرور أعوام عدة. فقد أظهرت نتائج الدراسات أن تلك الأوبئة - التي كان يقي منها اللقاح - قد تزايدت بشكل وبائي مقلق، بينما بقيت أرقام الإصابة بمرض التوحد على حالها. فتم سحب تلك المقالة وشطب رخصة الطبيب من الممارسة الطبية عام 2010 بعد ما أكدت الأبحاث والمراكز زيف دراساته.

فيما يلي، أستقي سبع علامات تتزامن كثيرا مع مقدمي هذا النوع من الأخبار العلمية المزيفة من كتاب (Voodoo Science) للعالم روبرت بارك:

1. أن يقدم العالم اكتشافه لوسائل الإعلام بدلا من تقديمها في المحافل العلمية.

2. أن يدعي المكتشف أن هناك مؤامرة تحاك لإحباط اكتشافه. كمحاولة إسكاته بأموال مافيا الدواء أو أجهزة استخباراتية غربية.

3. التأثير المرجو ذو إثبات ضعيف لا يتجاوز الحديث والكلمات الرنانة وبلا أدلة علمية تبرهن على فعاليته. كأن يقول الإعلان «نتائج مضمونة»، «باستخدام أحدث التقنيات».. إلخ.

4. استخدام أدلة غير موضوعية لإثبات فعالية الاكتشاف. كالحديث بشكل علمي عن طريقة نشوء السرطان واستخدام أحدث المراجع حيال الموضوع، ثم تقديم اكتشافه الهزيل والتدليل عليه بأدلة واهنة. فيعتقد المتابع أن دقة معلومات الاكتشاف توازي دقة المعلومات التي سبقته.

5. الاستشهاد بموروثات مجتمعية وعقدية للتدليل على صحة الاكتشاف. كاستخدام آيات قرآنية عن العسل أو الزيتون مثلا للترويج لاكتشافه المشتق منهما.

6. أن يعمل المكتشف وفريق العمل الخاص به بمعزل عن المجتمع والمؤسسات العلمية. عمليا، ليس من السهل اختراع دواء حديث أو اكتشاف تأثير جيني من دون أجهزة متفوقة واستثمارات ضخمة، هذا يندر أن يحدث في حديقة البيت الخلفية.

7. أن يتطلب تصديق الاكتشاف نقضا لبعض القوانين العلمية السائدة والمعلومات المتعارف عليها في المجتمع العلمي. كأن يبشر المكتشف بأنه اكتشف دواء جديدا لمرض السكر يعمل على مستقبل في البنكرياس لم يُسمع به قبل تقديم اكتشافه العلمي.

ليس معنى هذا المقال أن نكذب كل جديد، فهذا ينافي سنة الحياة في التطور والتقدم، ولكنه يؤكد أهمية إعمال العقل في حياتنا اليومية للتثبت من مصداقية الخبر قبل المساهمة في إعادة نشره، وكما يقول الدكتور أحمد توفيق «العقلية التي تصدق أي اكتشاف هي عقلية غير قادرة على التوصل لأي اكتشاف».

ختاما، استفدت كثيرا أثناء كتابة هذا المقال من كتاب الدكتور أحمد توفيق «شربة الحج داوود»، والذي أتمنى أن تكون قراءته فرض عين على كل طالب في التخصصات الصحية تجاوز سنته الثانية، وربما فرض كفاية على سائر المجتمع.

@A_H_Alzeer