ياسر عمر سندي

من استطاع منكم؟

الأربعاء - 01 يناير 2020

Wed - 01 Jan 2020

استبشر المجتمع خيرا إثر صدور أمر وزارة العدل الموجه إلى المحاكم، القاضي بتوجيه مأذوني الأنكحة بعدم عقد قران من لم تصل أعمارهم السن القانونية للزواج من الجنسين ذكورا وإناثا، وهي سن الثامنة عشرة، وإحالة بعض الحالات الخاصة في ذلك التي تستدعي النظر إلى المحكمة العليا، الأمر الذي يعد خطوة تنظيمية جريئة لتأطير وتقنين شؤون الأحوال الشخصية، ومراعاة لكثرة تدفق الشكاوى والمشاكل الزوجية لمراكز الاستشارات النفسية ومراكز إصلاح ذات البين والمحاكم، نتيجة عدم التوافق بسبب إجبار بعض آباء الفتيات القاصرات، أو من تولوا أمورهن على تزويجهن صغيرات، أو تزويج الذكور لمن هم دون السن القانونية المقرر أخيرا، وهم لم يستطيعوا على الزواج فهما وإدراكا ووعيا وصبرا.

وأرى أن المرحلة العمرية مع تحقق النضج المعرفي والعرفي يؤديان إلى الارتباط الراقي، وهذا الميثاق الغليظ هدفه الصالح المجتمعي ليتفق مع مصدرنا التشريعي الثاني والهدي النبوي والتوجيه المحمدي، لتحقيق الصالح الإسلامي الأممي من منطلق الحديث الشريف «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء». متفق عليه.

ومن وجهة نظري السلوكية والمعرفية أرى من خلال التتبع الاجتماعي والتاريخي للشرائح المجتمعية واحتياجاتها العصرية، أن البساطة المادية والمالية وتحمل المسؤولية كانت هي الأساس في الاستعداد والتأهيل للشاب في اختيار شريكة حياته، وكذلك هو الحال للأنثى في قبول شريك حياتها، علما أن ذلك الاستعداد يبدأ منذ اكتشاف الأهل للمراحل الفسيولوجية الملحة للزواج وتهيئتهم لها. ولكن المعيار المجتمعي اختلف أخيرا من حيث النواحي المادية والمعنوية والعقلية والنفسية والمعرفية لدى الطرفين، والتي سأوضحها تباعا.

فإذا أمعنا النظر في بداية الحديث التحفيزي للزواج، نرى أن صيغة المناداة هنا للشباب وهم أصحاب المصلحة الأولى، وأتبع ذلك بجملة «من استطاع منكم الباءة..»، وفي اللغة (من) تفيد التبعيض أي إن البعض منكم وليس على الكل، وأردفها بكلمة استطاع وهي تعكس القدرات المؤهِلة، والتي جاءت بعدها كلمة (منكم) أي تأكيدا على بعضكم، فسياق الحديث هنا مقيد بالاستطاعة وليس مطلقا على الجماعة. وجاء مصطلح (الباءة) وهذا هو الأساس في عملية التفنيد، وأرى أن الباءة تقوم على معياري الرغبة والقدرة، وتبنى كذلك على خمسة مقومات رئيسة لإعمار هذه الشراكة الإنسانية واستدامتها، وهي كالآتي:

1 القدرة الجنسية وهي سلامة أعضاء الاتصال الحميمي بين الجنسين.

2 القدرة البدنية، ولها جانبان «الشرعي الخاص» بالزوجة من توفير المأكل والمشرب والمسكن والرعاية والحماية، و»العرفي العام» بالحياة أي حُسن التواصل مع ذوي الشريك من التودد والتراحم الذي يُبنى أساسا بعد الزواج ليتحقق النسب والصهر.

3 القدرة المالية، وهي فرصة الاستحواذ المالي التي تمكن الشاب من دفع المهر، وتكاليف الحد الأدنى من وليمة الزواج والإشهار، وتوفير المنزل الشرعي للزوجة.

4 القدرة العقلية، وهي سلامة العقل من الذُهان المرضي أي «الخلل العقلي» المؤدي إلى التراخي وعدم القدرة على القيام بالواجبات الشرعية والعرفية للزواج.

5 القدرة النفسية، وهي الاستعداد الداخلي للتعبير الرومنسي والاحتواء المشاعري ومشاركة الشريك فيما يحب وما لا يحب، ونقاء النفس من براثن تاريخ العصاب العرضي، وهو «المشاكل النفسية العميقة» المؤثرة مستقبلا.

6 القدرة على تحمل المسؤولية، وهي استطاعة الشاب على تحمل أعباء الزوجة وإبقاء الشراكة المقدسة، بعدم التملص أو التخلص منها، واستطاعة الشابة أيضا أن تتحمل وتحترم واجبات الزوج والأبناء، والقيام على التربية والالتزامات المنزلية، والمحافظة على السرية.

فالأمر الرباني (وأنكِحُوا الأيامى منكم) جاء شاملا لتوجيه النفس إلى الحلال في تلبية احتياجها الفسيولوجي الجسدي، وكذلك التوجيه النبوي جاء مكملا للأمر الرباني في تلبية الاحتياج السيكولوجي النفسي، فمن استطاع منكم أن يدمج بين الاحتياجين تحقق له التوفيق والسعادة في الدارين.

@Yos123Omar