هناء جوهرجي

الجامعة المنتجة

السبت - 28 ديسمبر 2019

Sat - 28 Dec 2019

لما كان العلم هو بوابة التربية الأولى، وإحدى ركائزها العظام، كانت أولى آيات الكتاب العزيز نزولا على المصطفى صلوات الله وسلامه عليه «اقرأ باسم ربك الذي خلق»، فكانت هذه الآية شعار الحضارة الإسلامية الخالدة، ومنطلق التربية الربانية العالمية، والعروة الوثقى بين الدين والعلم. وانطلاقا من هذه الأهمية فإن التعليم يعد القاعدة الأساسية لتقدم الأمم والمجتمعات والوسيلة لتحقيق أهدافها، فزعامة الشعوب وثيقة الصلة بحظها من المعارف والعلوم.

وحتى يحقق التعليم للأمة أهدافها المقصودة، ويكسبها القوة التي تمكنها من السيادة والريادة، وتؤهلها للشهود الحضاري على بقية الأمم، فإن الأمر يتطلب أن يرتكز نظامها التعليمي على منظومة من القيم والمبادئ، وأن يكون التصور الإسلامي الصحيح شاهدا في كل ميادينها، وأن تعمل على تطوير وتجديد الأنظمة التعليمية بتحسين نوعية التربية والتعليم وتطويرها من خلال مؤسساتها التعليمية، وتعتبر الجامعة إحدى هذه المؤسسات التعليمية، ومؤشرا مهما من مؤشرات تطور المجتمعات وتقدمها، ولا نغفل أن تطوير التعليم الجامعي يتطلب موازنات كبيرة، لذا كان لا بد من البدء بخطوات تدريجية، بشرط أن تتوفر الإرادة السياسية لتتجاوز الجامعات مشكلة التمويل التي تعد أحد أهم التحديات التي تواجهها.

ولحرص القيادة على التعليم وتنمية عجلة التطور في كل ما يتعلق بالمؤسسات الجامعية وأنظمتها فقد سعت المملكة العربية السعودية ضمن لوائحها الجديدة التي تتكون من 14 فصلا، وتشتمل على 58 مادة، إلى إيجاد مصادر تمويل مبتكرة، وتوفير فرص تمويل إضافية لتغطية احتياجاتها المالية، وكان من أهم أهدافها الاستراتيجية تنويع مصادر تمويل التعليم العالي، ونشاطاته وإيجاد التنظيمات التي تتيح للجامعات تنويع مصادر التمويل.

ومن هنا ظهر في الوسط الأكاديمي اصطلاح «الجامعة المنتجة»، وهي تلك الجامعة التي تعمل على زيادة تمويلها، لتحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال البحوث العلمية، وتقديم الاستشارات وتنفيذ الدورات، من أجل تطوير العملية التعليمية، وتحقيق موازنة تتناسب مع الإنفاق عليها، لمواكبة الثورة المعرفية، بهدف جعلها بمثابة بيت الخبرة للمجتمع من خلال ما تقوم به من أدوار متعددة، وتوفير مصادر تمويلية ذاتية لنظام التعليم الجامعي تسهم في سد احتياجاته المالية المتنامية من خلال تفعيل الدور الإنتاجي والاستغلال الأمثل للموارد المالية والبشرية المتاحة للجامعات، بالإضافة إلى زيادة قدرة الجامعات التنافسية للتوافق مع المعايير والنظم العالمية، ومتطلبات العصر ومتغيراته، وأخيرا تحقيق المتطلبات التنموية الآتية، تنمية الاقتصاد الوطني، وتنمية روح الإبداع والإنتاج لدى الأفراد، وتحقيق التنمية المستمرة للمجتمع.

وتستطيع الجامعة المنتجة تحقيق دورها من خلال إسهامها في المجالات الثلاثة: التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع. ففي التعليم يمكن ذلك من خلال سد حاجة المجتمع من التخصصات المطلوبة لعملية التنمية، وأيضا الإعداد الشامل للطلاب وتكوين الاتجاهات الإيجابية لديهم نحو التعلم الذاتي، وكذلك القدرة على ترجمة المعارف النظرية إلى ممارسات تطبيقية، وأخيرا تقديم أنواع أخرى من التعليم، مثل التعليم المتناوب، والدراسات المسائية، والدورات التدريبية.

ويتحدد دور الجامعة المنتجة في مجال البحث العلمي من خلال أجراء البحوث الأساسية التي تهدف إلى تطوير المعرفة وإثرائها ونشرها، وكذلك البحوث التطبيقية المرتبطة بحقل العمل والإنتاج. وأما عن دور الجامعة المنتجة في خدمة المجتمع فتنفرد مجالات الخدمة العامة وتتعدد بحسب حاجات المجتمع ومشكلاته، كالتعليم المستمر، والاستشارات، والبرامج التدريبية، والتوعية الاجتماعية.

ختاما، ولكي يمكن تحقيق الجامعة المنتجة مفهوما ووظيفة، عليها إجراء بعض التغيرات التي تساعد على تطبيقها، بتقديم رؤية مستقبلية للتعليم تحدد معالمه الأهداف والغايات والمحتوى والطريقة والتقويم، والاهتمام بإعداد أعضاء الهيئة التدريسية والهيئة المعاونة مهنيا وعلميا وثقافيا واجتماعيا، في ضوء فلسفة الجامعة المنتجة وعلاقتها بسوق العمل ومتطلباته، وأخيرا توفير الكوادر الإدارية المدربة والمؤهلة لإدارة تنظيم العمل في التعليم الجامعي المنتج في ضوء مجموعة من الكفايات الإدارية والقيادة التي تتطلبها إدارة الجامعة المنتجة، كل ذلك من أجل تطوير التعليم العالي والمضي نحو مستقبل من الرقي والتقدم.