شاهر النهاري

شِلتنا شَالتنا

الاثنين - 23 ديسمبر 2019

Mon - 23 Dec 2019

من نعم الله علينا أن نظل مرتبطين ببعض المجموعات الشللية، المتكونة على مدى سنوات أعمارنا، وكم هي نعمة عظمى أن وجدنا في تقنيات العصر الحديث ما لم يكن متوفرا في الزمان القديم، من سرعة آلية في التنقل وقدرة مباشرة على التخاطب، ومجموعات تواصل تجعلنا نجتمع في بعض الأوقات بأرواحنا ومشاعرنا وذكرياتنا، وضحكاتنا عبر تواصل شبه افتراضي.

وتتجمع بعض تلك الشلل حضوريا، وبشكل حصري، في يوم معين من السنة أو أقل أو أكثر، تبعا لما تحتويه علاقاتهم، من عشم وود وتقدير، ومن رغبة في السفر عبر سنين الماضي، والشعور بعودة الطفولة والشباب ولو بنظرة، أو إيماءة، أو ترديد كلمة مضحكة.

البعض محظوظ بأن تكون له شلة من أيام الابتدائية، ولا غرابة أن يستنكروا ملامحهم الحالية، وما راكمته السنون عليهم من عمق ملامح وتحورات جسدية، وتبدل في المراكز، ولكنهم وقبل دق أبواب اللقاء يتقمصون ولو جزئيا كلماتهم الطفولية، وحركاتهم الصبيانية، وعنادهم ومزاحهم ومقالبهم، وكأنهم عادوا لفصول الدراسة وفسحات الأمل بينها.

والبعض يمتلك شلة من المتوسطة أو الثانوية، وكل شلة لا يمكن دمجها مع شلة ثانية، رغبة في التجرد عن كل زيف وحرج.

والبعض تكون شلته من رفقاء الصفوف الجامعية، أو من دراسات أكاديمية أو عليا، ومن قرب التواجد تتضح طريقة الكلام وتتباين الذكريات.

والبعض قد تكون له شلة ظرفية تكونت من السكنى في منطقة بعينها، لفترة اندمجت بها همومهم وتطلعاتهم وعوائلهم، وربما تكون عشرة غربة تتحد فيها الأنفس، وتكثر التضحيات، ويتضح فيها العنصر الطيب من العنصر المريض، أو غير المكترث.

عالم شلل نعيشها في مجتمعنا السعودي تستدعي التوقف، وتستحق من الجهات الاجتماعية البحثية الاهتمام، باعتبار أنها جزء لا يتجزأ من طبيعة حياتنا، وتكويناتنا النفسية، وعلاقاتنا الاجتماعية التي ننعم بجزء عظيم حميم منها دون أن نتعمد رسم خطوطه.

البعض سيدهشك، ويصرح بعين تائهة أنه لا يمتلك ولا شلة، وهنا يتضخم السؤال: هل كان السبب في شخصيته، أو أنه مجرد حظ نكد؟

والبعض سيقول لك إنه يمتلك شلتين أو أكثر، والبعض الآخر قد يبالغ فيعدد لك شلله العديدة، وهنا لا بد من سؤال آخر عن مدى القرب والشفافية والوفاء، وهل تكون الشلة متكاملة، بالتواجد والروح والمعاني، أم إنها مجرد وجاهة اجتماعية، وحضور روتيني ممل، أو فرصة للتنفيس عن العقد النفسية، وإثبات التواجد والمصير المختلف بين أفراد الشلة؟

في بعض الشلل تجد العلماء، والمشاهير، وقد تجد بينهم الشخص المستور، والمتواضع في ثقافته أو أمور حياته، وقد تؤثر السنوات الطويلة والمناصب فيما يدور بين الشلة، وقد تبرز المقامات، ويحضر الرياء والنفاق، فيكون تواجد البعض على حساب أعصاب ونفسيات البعض الآخر؟

في بعض الشلل يحدث الخلاف على شيء جذري، أو ما لا يستحق التوقف عنده، والقلوب الكبيرة في الشلة تظل تحاول تجبير الكسور، وإعادة المسار للتلاقي، رغم أن ذلك قد يتعثر ويكبر معه الخلاف.

وكلما تقدمت الشلة في العمر أصبح عليها مهام أعظم، بأن تنعش كبار السن والمعتلين، وتعيد لهم الفرحة التي فقدوها في عصر التقنية، وأن تبرز وتتفاعل مع ما يحدث لأعضائها من أفراح وأتراح ومن فقد أليم.. منذر.

@Shaheralnahari