منى عبدالفتاح

محمد عبده.. إشارات مختبئة

الأربعاء - 08 يونيو 2016

Wed - 08 Jun 2016

كثيرٌ من الإشارات خبأها محمد عبده في الحلقة الأولى لبرنامج «الشريان» لمقدمه القدير داود الشريان. اللقاء الأول بعد الغياب ثم العودة، والذي كان فاتحة البرامج الثقافية والترفيهية، سهرة لليوم الأول من شهر رمضان الفضيل على قناة إم بي سي.

الحلقة الأولى من برنامج «الشريان» كانت بالفعل عبارة عن كلمات متقاطعة بل كلمات مثقلة بالهوامش التي صنعت الفنان الجميل محمد عبده، ولا تبعد كثيرا عن تفصيلات الحاضر وهموم المستقبل. الإشارة الوحيدة المعلنة والتي لا يقبل فيها صاحب «الأماكن» أي تفسيرات مغايرة لما أعلنه ابتداء هي الحديث عن معاناة عيشه لفترة من طفولته في دار الأيتام، كما الحديث عن حميمية الأسرة ودور الأم، والأخت الكبرى، ثم حرصه على أن يجمع الكل بيتٌ واحد كبير.

فنان العرب، تدلّ على أغنياته، لغير مجايليه فضاءات واسعة يهرب إليها أصحاب الذائقة الفنية الراقية من كل الأعمار، ليتمكنوا من تنقية الأجواء المملوءة بالكمّ الغنائي بلا كيف. الآن يمكننا وببساطة العثور على رابط علني بين مسيرة محمد عبده الفنية واعتماده على مرجعية لا توغل ولا تنسف حقه في الغناء وذلك بذكره أنّه بينما كان حاضرا لبعض الدروس لللشيخ ابن باز عليه رحمة الله، وفيما أحد الحضور يوجّه كلاما غير لائق لمحمد عبده، أوقف ابن باز المتحدث، بأن لا أحد يتحدّث عن أو يسيء إلى ضيوفه.

كثيرون معجبون بمدرسة محمد عبده الفنية وآخرون معجبون بتجربته الحياتية، والتي يدخل الإبداع في صميمها ابتداء من تحوّله المدهش من صناعة السفن في بدايات حياته المهنية لكي يصبح قبطان أغاني العرب.

الشاهد أمامنا كان بصمة محمد عبده على أول أمسية رمضانية، حروفه وأسماء أغانيه ومقاماتها التي لا يقبل التنازل عن تجربة أيٍّ منها. ما تم في ظروف جيدة وكتب له النجاح، وما تم في ظروف نفسية سيئة جعلته يقف مع نفسه ليراجع تجربته، كتلك الفترة التي قام بذكرها وهي وفاة والدته وحرب الخليج.

المثير في أداء الفنان محمد عبده هو أن لا أحد يجرؤ على انتحال أيٍّ من أغنياته في أيام غيابه كما يوم خروجه على الناس. وأذكر أنّه في إحدى حلقات برنامج للمسابقات الغنائية قام مشارك بأداء أغنية له، صحيح أنّها ضمنت له بعض النقاط بسبب اجتهاده الكبير في الأداء بما يقارب لونية محمد عبده ولكن كان البون شاسعا في الخامة الصوتية وبعض نقاط الوقف والانطلاق.

ما يؤرق الوسط الفني أنّ القضية ليست فيمن يغنّي، ولكن في كيف يغني أحدهم. فالذين يصرّون رغم غياب الموهبة على المضي فيما يسمونه تحديات، قد لا يكون المران والممارسة وحدهما الضامن للنجاح لكي يستمروا في التجديف المستمر في يمّ المحاولات المتلاطم الأمواج بِرهانهم على شعار فلسفي وهو أنّ المعاناة تولّد الإبداع. وبهذه الرؤية فإنّ الجمهور ليس مُجبراً على تحمّل تجريب وراء تجريب.

للأمسية الرمضانية الأولى طعمٌ خاص وأكثر من حكاية، ولا يُؤخذ على البرنامج، غير جلسة مقدّمه خلف المكتب، وفي مقابله الضيف مما يُعطي انطباعا عن أستاذية «الشريان»، في لقاء كان في مجمله حميميا وهادئا. ومن المعروف بروتوكوليا أنّك عندما تنزل مقام الضيف وتجلس متجاورا معه أو مقابلا له على كراس متشابهة بغض النظر عن شكلها وفخامتها، تكون قد أكرمت ضيفك، ناهيك عن أن يكون الأصل مثل ما في هذا اللقاء بعيدا عن الرسميات.

ما عدا ذلك فقد زيّن الحلقة «فنان العرب» شبيه النسمة وليس «شبيه الريح»، بطلته ليحكي حكاية ليست وليدة الصدفة ولم تتكرّر إلى الآن في منجز الفن السعودي والعربي. وبمشروعه الجاد هذا يكون قد وضع لبنات لتجربة فريدة من نوعها، فهي ليست صوتا وهبة ربانية فقط وإنّما ألحانا وألوانا ومساء.