نشأ الكاتب زلماي خليل زاد في عائلة أفغانية تقليدية في مزار الشريف، وعندما بلغ السابعة عشرة من عمره ذهب للدراسة في كاليفورنيا وبعد صدمة ثقافية متوقعة بدأ يرى مزايا أسلوب الحياة المختلفة في أمريكا، ووصل إلى قناعة بأن الثقافة الأمريكية تساعد على فتح الطريق نحو النجاح من خلال تشجيعها على المبادرة الذاتية والعمل الاجتماعي واحترام المرأة، لكنه لم يحلم في تلك المرحلة أنه سيصل في يوم ما إلى موقع يسهم من خلاله في نشر هذه الثقافة في مناطق مختلفة من العالم.
وبعد أحداث 11 سبتمبر، وجد خليل زاد نفسه في موقع فريد يستطيع من خلاله المساعدة على صياغة علاقة متبادلة مفيدة بين بلده الأصلي وبين البلد الذي اختار أن يحمل جنسيته كسفير أمريكا إلى أفغانستان والعراق، وساعد في صياغة دستورين وتشكيل تحالفين لحكم كل بلد منهما، وكسفير لأمريكا في الأمم المتحدة استخدم مهاراته الدبلوماسية لتحقيق المصالح الأمريكية.
تجارب عمل
ويتحدث خليل زاد في كتابه «المبعوث» الصادر حديثا عن دار سانت مارتنز بريس عن تجارب عمله مع ثلاثة رؤساء أمريكيين، ويعبر عن قناعته بأن أمريكا بحاجة إلى سياسة خارجية ذكية وفعالة تستند إلى معلومات ودراسات حقيقية وتستفيد من خبرات الاختصاصيين في كل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
وقسم كبير من الكتاب هو مذكرات شخصية للأحداث التي كان شاهدا عليها وجزء منها في الشرق الأوسط بشكل خاص.
ومن أهم القضايا التي يتناولها هو الغزو الأمريكي للعراق، فماذا يكشف هذا الدبلوماسي المخضرم عن كواليس تلك الحرب؟
اتفاقات
يقول خليل زاد إن مسؤولين أمريكيين بارزين عقدوا اجتماعات سرية مع مسؤولين إيرانيين حول مستقبل العراق قبل الغزو الذي قادته أمريكا للعراق للإطاحة بنظام صدام حسين، واستطاعوا أن يحصلوا على وعد من العسكريين الإيرانيين بعدم إطلاق النار على الطائرات الأمريكية في حال دخولها المجال الجوي الإيراني بشكل عرضي.
هذه الاجتماعات التي لم يتم الإعلان عنها رسميا من قبل، وهي عقدت في جنيف مع سفير إيران في الأمم المتحدة في تلك الفترة محمد جواد ظريف، قبل أن يتولى حقيبة وزارة الخارجية، واستمرت حتى بعد أن دخلت القوات الأمريكية بغداد في أبريل 2003.
السلوك الإيراني
وأشار خليل زاد إلى أن أمريكا كانت تأمل أن «تشجع إيران الشيعة العراقيين على المشاركة بشكل بناء في تشكيل حكومة جديدة في العراق»، ورغم الاتفاق على بعض النقاط، إلا أن الأمريكيين والإيرانيين اختلفوا حول كيفية تشكيل الحكومة الجديدة وتأييد الحكومة الإيرانية للإرهاب.
وفي مايو 2003، أوقفت الإدارة الأمريكية الحوار بعد أن اتهمت إيران بإيواء بعض أفراد تنظيم القاعدة المسؤولين عن قتل ثمانية أمريكيين في السعودية.
وفي رأي زلماي، فإن ذلك الموقف الأمريكي كان خاطئا لأنه «مقتنع أننا لو كنا تابعنا الحوار الدبلوماسي مع عمل إجراءات قسرية لاستطعنا أن نصوغ السلوك الإيراني».
ديمقراطية في بغداد
نقل خليل زاد إلى ظريف رغبة إدارة بوش بتأسيس حكومة ديمقراطية في بغداد تستطيع أن تبدأ علاقات سلام مع جيرانها، وذلك في إشارة إلى أن أمريكا لم تكن ترغب في نقل العمليات العسكرية إلى الأراضي الإيرانية، ولكن ظريف قال «إن إيران تفضل نقل السلطة في العراق بسرعة إلى العراقيين الذين كانوا يعيشون في المنفى -وغالبيتهم موالون لإيران- وأن المؤسسات العراقية يجب إعادة بنائها من الصفر»، ودعا إلى اجتثاث أعضاء حزب البعث وإنهاء الاحتلال الأمريكي بأسرع وقت ممكن.
توسيع نفوذ
وكان من الواضح أن تلك المقاربة كانت تهدف لتوسيع النفوذ الإيراني في العراق، وكانت تختلف بشكل كبير عن الاستراتيجية التي طرحها خليل زاد بتشكيل حكومة عراقية انتقالية تضم عراقيين كانوا موجودين في العراق خلال عهد الرئيس صدام حسين، وليس فقط العراقيين الذين كانوا في المنفى.
وعندما طرحت قضية الإرهاب على الطاولة في مايو 2003، طالب جواد ظريف أمريكا بتسليم قادة منظمة «مجاهدين خلق» الإيرانية المعارضة إلى إيران، لكن خليل زاد أشار إلى أن إيران تأوي قادة من تنظيم القاعدة، بما في ذلك ابن أسامة بن لادن.
وعند ذلك يقول خليل زاد أن ظريف اقترح مبادلة قادة القاعدة في إيران مقابل قادة «مجاهدين خلق»، لكن إدارة بوش رفضت الفكرة وأغلقت القناة الدبلوماسية في ذلك الشهر بعد أن ربطت بين الهجوم الإرهابي على الأمريكيين في السعودية مع قادة القاعدة الموجودين في إيران.
بدء الحوار
ولكن محاولات خليل زاد لفتح قنوات دبلوماسية مع إيران لم تتوقف عند ذلك، فبعد تعيينه سفيرا لأمريكا في العراق في 2005، استمر في محاولاته السرية لإقناع الإدارة الأمريكية بإعادة فتح قناة دبلوماسية مع طهران.
ويقول خليل زاد إنه استطاع إقناع بوش خلال اجتماع لمجلس الأمن الوطني على تفويضه بفتح حوار مع الإيرانيين.
وبالفعل شكلت إيران فريقا ضم دبلوماسيين وخبراء أمنيين للمشاركة في حوار مع الأمريكيين في بغداد، إلا أن خليل زاد فوجئ بإلغاء واشنطن للاجتماع في اللحظة الأخيرة «لأسباب لا أزال أجهلها» بحسب قوله، وفي النهاية وافقت واشنطن على إجراء حوار محدود مع إيران حول الشؤون العراقية في بغداد، لكن الحوار لم يكن بناء.
ويضم الكتاب معلومات كثيرة أخرى تتعلق بخدمة خليل زاد الطويلة في الخارجية الأمريكية، وهو يطرح أحيانا الكثير من الأفكار حول الأوضاع الحالية في الشرق الأوسط والعالم.
ويكتسب الكتاب أهمية خاصة لأنه يصدر في الوقت الذي تتم فيه مناقشة السياسة الخارجية الأمريكية في الحملات الانتخابية الرئاسية الأمريكية.
يعمل زلماي خليل زاد حاليا مستشارا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.
عمل سابقا مع إدارات الرؤساء رونالد ريجان، جورج بوش الأب، وجورج بوش الابن، كما كان سفيرا لأمريكا في أفغانستان والعراق والأمم المتحدة.
وبعد أحداث 11 سبتمبر، وجد خليل زاد نفسه في موقع فريد يستطيع من خلاله المساعدة على صياغة علاقة متبادلة مفيدة بين بلده الأصلي وبين البلد الذي اختار أن يحمل جنسيته كسفير أمريكا إلى أفغانستان والعراق، وساعد في صياغة دستورين وتشكيل تحالفين لحكم كل بلد منهما، وكسفير لأمريكا في الأمم المتحدة استخدم مهاراته الدبلوماسية لتحقيق المصالح الأمريكية.
تجارب عمل
ويتحدث خليل زاد في كتابه «المبعوث» الصادر حديثا عن دار سانت مارتنز بريس عن تجارب عمله مع ثلاثة رؤساء أمريكيين، ويعبر عن قناعته بأن أمريكا بحاجة إلى سياسة خارجية ذكية وفعالة تستند إلى معلومات ودراسات حقيقية وتستفيد من خبرات الاختصاصيين في كل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
وقسم كبير من الكتاب هو مذكرات شخصية للأحداث التي كان شاهدا عليها وجزء منها في الشرق الأوسط بشكل خاص.
ومن أهم القضايا التي يتناولها هو الغزو الأمريكي للعراق، فماذا يكشف هذا الدبلوماسي المخضرم عن كواليس تلك الحرب؟
اتفاقات
يقول خليل زاد إن مسؤولين أمريكيين بارزين عقدوا اجتماعات سرية مع مسؤولين إيرانيين حول مستقبل العراق قبل الغزو الذي قادته أمريكا للعراق للإطاحة بنظام صدام حسين، واستطاعوا أن يحصلوا على وعد من العسكريين الإيرانيين بعدم إطلاق النار على الطائرات الأمريكية في حال دخولها المجال الجوي الإيراني بشكل عرضي.
هذه الاجتماعات التي لم يتم الإعلان عنها رسميا من قبل، وهي عقدت في جنيف مع سفير إيران في الأمم المتحدة في تلك الفترة محمد جواد ظريف، قبل أن يتولى حقيبة وزارة الخارجية، واستمرت حتى بعد أن دخلت القوات الأمريكية بغداد في أبريل 2003.
السلوك الإيراني
وأشار خليل زاد إلى أن أمريكا كانت تأمل أن «تشجع إيران الشيعة العراقيين على المشاركة بشكل بناء في تشكيل حكومة جديدة في العراق»، ورغم الاتفاق على بعض النقاط، إلا أن الأمريكيين والإيرانيين اختلفوا حول كيفية تشكيل الحكومة الجديدة وتأييد الحكومة الإيرانية للإرهاب.
وفي مايو 2003، أوقفت الإدارة الأمريكية الحوار بعد أن اتهمت إيران بإيواء بعض أفراد تنظيم القاعدة المسؤولين عن قتل ثمانية أمريكيين في السعودية.
وفي رأي زلماي، فإن ذلك الموقف الأمريكي كان خاطئا لأنه «مقتنع أننا لو كنا تابعنا الحوار الدبلوماسي مع عمل إجراءات قسرية لاستطعنا أن نصوغ السلوك الإيراني».
ديمقراطية في بغداد
نقل خليل زاد إلى ظريف رغبة إدارة بوش بتأسيس حكومة ديمقراطية في بغداد تستطيع أن تبدأ علاقات سلام مع جيرانها، وذلك في إشارة إلى أن أمريكا لم تكن ترغب في نقل العمليات العسكرية إلى الأراضي الإيرانية، ولكن ظريف قال «إن إيران تفضل نقل السلطة في العراق بسرعة إلى العراقيين الذين كانوا يعيشون في المنفى -وغالبيتهم موالون لإيران- وأن المؤسسات العراقية يجب إعادة بنائها من الصفر»، ودعا إلى اجتثاث أعضاء حزب البعث وإنهاء الاحتلال الأمريكي بأسرع وقت ممكن.
توسيع نفوذ
وكان من الواضح أن تلك المقاربة كانت تهدف لتوسيع النفوذ الإيراني في العراق، وكانت تختلف بشكل كبير عن الاستراتيجية التي طرحها خليل زاد بتشكيل حكومة عراقية انتقالية تضم عراقيين كانوا موجودين في العراق خلال عهد الرئيس صدام حسين، وليس فقط العراقيين الذين كانوا في المنفى.
وعندما طرحت قضية الإرهاب على الطاولة في مايو 2003، طالب جواد ظريف أمريكا بتسليم قادة منظمة «مجاهدين خلق» الإيرانية المعارضة إلى إيران، لكن خليل زاد أشار إلى أن إيران تأوي قادة من تنظيم القاعدة، بما في ذلك ابن أسامة بن لادن.
وعند ذلك يقول خليل زاد أن ظريف اقترح مبادلة قادة القاعدة في إيران مقابل قادة «مجاهدين خلق»، لكن إدارة بوش رفضت الفكرة وأغلقت القناة الدبلوماسية في ذلك الشهر بعد أن ربطت بين الهجوم الإرهابي على الأمريكيين في السعودية مع قادة القاعدة الموجودين في إيران.
بدء الحوار
ولكن محاولات خليل زاد لفتح قنوات دبلوماسية مع إيران لم تتوقف عند ذلك، فبعد تعيينه سفيرا لأمريكا في العراق في 2005، استمر في محاولاته السرية لإقناع الإدارة الأمريكية بإعادة فتح قناة دبلوماسية مع طهران.
ويقول خليل زاد إنه استطاع إقناع بوش خلال اجتماع لمجلس الأمن الوطني على تفويضه بفتح حوار مع الإيرانيين.
وبالفعل شكلت إيران فريقا ضم دبلوماسيين وخبراء أمنيين للمشاركة في حوار مع الأمريكيين في بغداد، إلا أن خليل زاد فوجئ بإلغاء واشنطن للاجتماع في اللحظة الأخيرة «لأسباب لا أزال أجهلها» بحسب قوله، وفي النهاية وافقت واشنطن على إجراء حوار محدود مع إيران حول الشؤون العراقية في بغداد، لكن الحوار لم يكن بناء.
ويضم الكتاب معلومات كثيرة أخرى تتعلق بخدمة خليل زاد الطويلة في الخارجية الأمريكية، وهو يطرح أحيانا الكثير من الأفكار حول الأوضاع الحالية في الشرق الأوسط والعالم.
ويكتسب الكتاب أهمية خاصة لأنه يصدر في الوقت الذي تتم فيه مناقشة السياسة الخارجية الأمريكية في الحملات الانتخابية الرئاسية الأمريكية.
يعمل زلماي خليل زاد حاليا مستشارا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.
عمل سابقا مع إدارات الرؤساء رونالد ريجان، جورج بوش الأب، وجورج بوش الابن، كما كان سفيرا لأمريكا في أفغانستان والعراق والأمم المتحدة.