حجر وحواضن الأودية

 

 

الثلاثاء - 13 يناير 2015

Tue - 13 Jan 2015



يحتل ما أصبح يعرف بمسمى ما بين الحرمين الشريفين مكة المكرمة والمدينة المنورة مساحة واسعة تزيد عن خمسمئة كيل تتخلل هذه المساحة الكبيرة جبال وحرار وأودية كبيرة واسعة تغص بخيوف كثيرة كانت تسمى في الماضي صندوق الحجاز لما فيها من الخيرات مثل النخيل بشتى أنواعها وجميع أنواع الزراعة من الحبوب وغيرها وإن كان النخل أشهر ما يعرف عنها، كانت هذه الأودية أوعية واسعة لنشاط زراعي كبير يمد بما ينتج مدن الحجاز الكبرى مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة وينبع ورابغ وغيرها من المدن التي تعتمد اعتمادا غير قليل على خيرات هذه الأودية ذات المسافات الطويلة في سلسلة الجبال والمنحدرة إلى تهامة ما بين الحرمين حيث تحور في سهل منبسط فتسقي الزرع قبل أن تأخذ طريقها إلى البحر، وفي أغلب هذه الأودية كانت تجري عيون كثيرة وفيها وعلى ضفافها استقر الناس ونمت الحياة وأخصبت بنشاط أهلها وعمارتهم لها وامتدت خيراتها إلى ما يجاورها من المدن والبلدان حتى العصر القريب حيث تغيرت طرق الحياة ووسائلها القديمة وجذبت المدن الناس إليها للتعليم وللعمل وللسكن قبل أن تتوفر في المنطقة الخدمات التي كانت لا تتوفر إلا في المدن الكبيرة مما جار على هذه الأودية وأفقدها كثيرا من أهلها وساكنيها الذين رحلوا عنها طلبا لحياة أفضل وللعمل وقل الاهتمام بها وأهملت الخدمات فيها في الماضي القريب بسبب تركيز الخدمات في المدن الكبيرة فكان لا بد من تركها اضطرارا لا رغبة، والنتيجة أنها تضخمت المدن وازدحمت على حساب الريف وتوسعت وأصبحت الحياة فيها صعبة مما جعل الناس يحاولون مرة أخرى العودة إلى ديارهم وإعمارها كما كانت من قبل وتحقق بعض ذلك بعد أن حصلت على الحد الأدنى من الخدمات التي توفرت مثل المدارس والكهرباء والرعاية الصحية الأولية وبعض الطرق المعبدة التي هي شريان الحياة الذي لا تقوم الحياة بدونه في هذا الوقت.

حـــجـــــر أحد هذه الأودية الممرعة الخصبة الغنية بمقومات الحياة والقابلة للنمو والتطور وقد نشط أهلها بالعودة إليها ولكنها مثل غيرها تحتاج إلى مزيد من الخدمات التي تسهل على من يريد السكن والاستقرار فيها حياته وتصله فيمن حوله وأهم ذلك الطرق التي تصلها بأقرب مسلك إليها. ومن حسن الطالع أن خط الهجرة الذي هو العمود الفقري لشرق الجلس وغربه أصبح يشكل شريانا حيويا لربط هذه الأودية بالمدن المحيطة ولكن «حجر» على قربه من طريق الهجرة حُجر عنه رغم المحاولات الجادة من السكان بفتح طريق إليه وقد حاولوا مرارا كثيرة تعبيد الطريق الذي يربطهم بطريق الهجرة بجهودهم الخاصة ولكنهم لم يستطيعوا إتمامه وبذلوا جهودا كبيرة لتذليل هذه العقبة أمامهم منذ ثلاثين عاما وحتى اليوم لم يتم إصلاحه وهو الشريان الحيوي الرابط لهم بالمدن التي يعملون بها ويتصلون بمن حولهم عبره لو تم إصلاحه وتعبيده.

إن الخطة الاستراتيجية الأولى للدولة في هذا الوقت هي الاهتمام بالريف وتطويره وتوفير الخدمات الضرورية لتقليل الهجرة الداخلية إلى المدن التي توسعت وازدحمت وضاقت بأهلها على حساب الريف ومحاولة تشجيع الهجرة المعاكسة إليه لا يتم إلا عندما يعتنى بالريف القريب من المدن حين تقوم الجهات المسؤولة بتقديم الخدمات اللازمة وتسهيل الاتصال الدائم وأهم ذلك الطرق المعبدة واختصار المسافات وبناء المدارس الحديثة والمستشفيات وغيرها مما يجعل الحد الأدنى من مطالب الاستقرار متوفرا للناس في قراهم وأوديتهم فيحصل التكامل الطبيعي بين الريف والمدينة وتتسع الحياة ويجد السكان منفذا من زحمة المدينة إلى سعة الريف وعمارته ذلك هو ما نحتاجه وما تحتاجه خطط التنمية المتوازنة والمتكاملة حيث لا يجور جانب على آخر، وذلك ما يجب أن تبدأ به الجهات المسؤولة عن التنمية ولا سيما المناطق التي لا تزال بحاجة إلى الحد الأدنى من البنية التحتية المناسبة.