عاش الشعراء المكيون في العصور المختلفة بين أودية مكة وشعابها، وتنقلوا بين أحيائها وحاراتها، وخلدوا أيامهم في تلك الأماكن والمرابع من خلال قصائدهم، فقل أن يخلو ديوان لشاعر مكي قديما أو حديثا من ذكر لواد أو شعب أو موقع من المواقع في مكة المكرمة، بما في ذلك من حنين وشجن وتذكر لأيام قضاها بين ظلاله وأفيائه.
وتعد منظوماتهم في ذلك من عيون الشعر العربي، كما تعد مرجعا مهما لمن أراد أن يتتبع المواقع المكية القديمة ونشأتها على مر التاريخ، والدلالات التاريخية المتعلقة بها. فبعض الأماكن تذكر لجمالها، وبعضها لتاريخها، وبعضها لفضلها، وبعضها تذكر لعلاقة الشاعر العاطفية بها. وتعطي هذه القصائد في مجموعها دلالة قوية على تعلق المكيين ببلدهم، وتذكره في حال البعد عنه، وحنينهم إليه. فالمواقع من مثيرات الشجن، خصوصا في الغربة.
وقد عقد أبوالوليد محمد بن عبدالله الأزرقي في كتابه أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار بابا بعنوان (تذكر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة)، بدأه بمقالة السيدة عائشة رضي الله عنها «لولا الهجرة لسكنت مكة، إني لم أر السماء بمكان قط أقرب إلى الأرض منها بمكة، ولم يطمئن قلبي ببلد قط ما اطمأن بمكة، ولم أر القمر بمكان أحسن منه بمكة».
وجاء في نفس الباب أن بلالا رضي الله عنه عندما أصيب بحمى المدينة، كان عندما يفيق منها يرفع صوته متذكرا مكة وأوديتها وجبالها بقوله:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
بفخ وحولي أذخر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنة
وهل يبدون شامة وطفيل
أما عمر بن أبي ربيعة، الشاعر المشهور، فيتذكر أجياد ومن فيها، وموقفه في الخيف من منى، وبعده عن مكة فيقول:
هيهات من أمة الوهاب منزلنا
إذ حللنا بسيف البحر من عدن
واحتل أهلك (أجيادا) وليس لنا
إلا التذكر أو حظ من الحزن
ما أنسى يوم (الخيف) موقفها
وموقفي وكلانا ثمَّ ذو شجن
وقولها للثريا وهي باكية
والدمع منها على الخدين ذو سنن
بالله قولي له في غير معتبة
ماذا أردت بطول المكث في اليمن
إن كنت حاولت دنيا أو فزت بها
فما أخذت بترك الحج من ثمن
ويقول بعد أن أقام في اليمن ثلاث سنوات:
لعمرك ما جاورت غمدان طائعا
وقصر شعوب أن أكون به صبا
ولكن حمى أضرعتني ثلاثة
مجرمة ثم استمرت بنا غبا
وحتى لو أن الخلد تعرض إن مشت
إلى الباب رجلي ما نقلت لها إربا
فإنك لو أبصرت يوم (سويقة)
مناخي وحبسي العيس دامية حدبا
إذا لاقشعر الرأس منك صبابة
ولاستفرغت عيناك من سكبه غربا
وعندما أرادت سلامة المغنية ترك الحجاز تذكرت أيامها بمكة، وبعض أماكنها وأنشدت تقول:
فارقوني وقد علمت يقينا
ما لمن ذاق ميتةً من إياب
أهل بيت تتهافتوا للمنايا
ما على الدهر بعدهم من عتاب
سكنوا (الجزع) جزع أبي موسى
إلى النخل من (صفي السِّباب)
كم بذاك (الحجون) من حي
صدق وكهول أعفة وشباب
ويحن جمال الطبري إلى ذكرى أيامه بين أشجار جبل لعلع وباناته فيقول:
يقولون ترك الحب سلم للفتى
نعم صدقوا لو كان يمكنه الترك
دعوني وذكرى بين بانات لعلع
غريبا هواهم في المواقف لي نسك
ويبكي يحيى بن أحمد بن معصوم (ت1092) أيامه في المشاعر المقدسة، ويحن إليها، ويتذكر الحداة في خيف منى بعد رجوعهم منه، فيقول:
تذكرت أيام الحجيج فاسبلت
جفوني دماء واستجد بي الوجد
وأيامنا بالمشعرين التي مضت
وبالخيف إذ حادي الركب بنا يحدو
ويصف الشاعر أبوالطيب أحمد بن الحسين الشهير بالعُليف مقيله في الجموم، بجوار إحدى العيون، تحت شجرة حماط (تين) بقوله:
نزلنا بالجموم نهار قيظ
ومنثور الربيع طوى بساطه
قطعنا يومنا في طيب عيش
برأس العين في ظل الحماطة
أما الشاعر عفيف الدين باكثير فيأسره جمال (أرض حسان) في وسط وادي مر، المعروف الآن بوادي فاطمة، وينشد في جمال هذه الأرض، وعذوبة ماء بركتها:
يا حبذا أرض حسان ونزهتها
وماء بركتها المستعذب الخضر
[email protected]
وتعد منظوماتهم في ذلك من عيون الشعر العربي، كما تعد مرجعا مهما لمن أراد أن يتتبع المواقع المكية القديمة ونشأتها على مر التاريخ، والدلالات التاريخية المتعلقة بها. فبعض الأماكن تذكر لجمالها، وبعضها لتاريخها، وبعضها لفضلها، وبعضها تذكر لعلاقة الشاعر العاطفية بها. وتعطي هذه القصائد في مجموعها دلالة قوية على تعلق المكيين ببلدهم، وتذكره في حال البعد عنه، وحنينهم إليه. فالمواقع من مثيرات الشجن، خصوصا في الغربة.
وقد عقد أبوالوليد محمد بن عبدالله الأزرقي في كتابه أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار بابا بعنوان (تذكر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة)، بدأه بمقالة السيدة عائشة رضي الله عنها «لولا الهجرة لسكنت مكة، إني لم أر السماء بمكان قط أقرب إلى الأرض منها بمكة، ولم يطمئن قلبي ببلد قط ما اطمأن بمكة، ولم أر القمر بمكان أحسن منه بمكة».
وجاء في نفس الباب أن بلالا رضي الله عنه عندما أصيب بحمى المدينة، كان عندما يفيق منها يرفع صوته متذكرا مكة وأوديتها وجبالها بقوله:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
بفخ وحولي أذخر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنة
وهل يبدون شامة وطفيل
أما عمر بن أبي ربيعة، الشاعر المشهور، فيتذكر أجياد ومن فيها، وموقفه في الخيف من منى، وبعده عن مكة فيقول:
هيهات من أمة الوهاب منزلنا
إذ حللنا بسيف البحر من عدن
واحتل أهلك (أجيادا) وليس لنا
إلا التذكر أو حظ من الحزن
ما أنسى يوم (الخيف) موقفها
وموقفي وكلانا ثمَّ ذو شجن
وقولها للثريا وهي باكية
والدمع منها على الخدين ذو سنن
بالله قولي له في غير معتبة
ماذا أردت بطول المكث في اليمن
إن كنت حاولت دنيا أو فزت بها
فما أخذت بترك الحج من ثمن
ويقول بعد أن أقام في اليمن ثلاث سنوات:
لعمرك ما جاورت غمدان طائعا
وقصر شعوب أن أكون به صبا
ولكن حمى أضرعتني ثلاثة
مجرمة ثم استمرت بنا غبا
وحتى لو أن الخلد تعرض إن مشت
إلى الباب رجلي ما نقلت لها إربا
فإنك لو أبصرت يوم (سويقة)
مناخي وحبسي العيس دامية حدبا
إذا لاقشعر الرأس منك صبابة
ولاستفرغت عيناك من سكبه غربا
وعندما أرادت سلامة المغنية ترك الحجاز تذكرت أيامها بمكة، وبعض أماكنها وأنشدت تقول:
فارقوني وقد علمت يقينا
ما لمن ذاق ميتةً من إياب
أهل بيت تتهافتوا للمنايا
ما على الدهر بعدهم من عتاب
سكنوا (الجزع) جزع أبي موسى
إلى النخل من (صفي السِّباب)
كم بذاك (الحجون) من حي
صدق وكهول أعفة وشباب
ويحن جمال الطبري إلى ذكرى أيامه بين أشجار جبل لعلع وباناته فيقول:
يقولون ترك الحب سلم للفتى
نعم صدقوا لو كان يمكنه الترك
دعوني وذكرى بين بانات لعلع
غريبا هواهم في المواقف لي نسك
ويبكي يحيى بن أحمد بن معصوم (ت1092) أيامه في المشاعر المقدسة، ويحن إليها، ويتذكر الحداة في خيف منى بعد رجوعهم منه، فيقول:
تذكرت أيام الحجيج فاسبلت
جفوني دماء واستجد بي الوجد
وأيامنا بالمشعرين التي مضت
وبالخيف إذ حادي الركب بنا يحدو
ويصف الشاعر أبوالطيب أحمد بن الحسين الشهير بالعُليف مقيله في الجموم، بجوار إحدى العيون، تحت شجرة حماط (تين) بقوله:
نزلنا بالجموم نهار قيظ
ومنثور الربيع طوى بساطه
قطعنا يومنا في طيب عيش
برأس العين في ظل الحماطة
أما الشاعر عفيف الدين باكثير فيأسره جمال (أرض حسان) في وسط وادي مر، المعروف الآن بوادي فاطمة، وينشد في جمال هذه الأرض، وعذوبة ماء بركتها:
يا حبذا أرض حسان ونزهتها
وماء بركتها المستعذب الخضر
[email protected]