العم محمد الرقام والزمن الجميل
تفاعل
تفاعل
السبت - 07 مايو 2016
Sat - 07 May 2016
عندما وصلتني الرسالة من ابنه ماهر ينعى فيها والده العم محمد درويش رقام أدركت لحظتها أن نافذة كانت مشرعة على تاريخ جدة بتفاصيله وحكاياته وكل نماذج شخصياته رجالا ونساء قد أغلقت، وأن ذاكرة كانت تتوهج مضيئة لكل من كان يسأل من طلبة العلم والمؤسسات التي اهتمت في وطننا بالتاريخ الشفوي قد انطفأت.
كان حديثه عن جدة حديث المسكون بتاريخها في كل مرة التقيته، حين كنا نتسامر في المقهى أو حين نزوره مع بعض الضيوف من الداخل والخارج في منزله. وأذكر أن طالبا فرنسيا أقام أشهرا في جدة لكتابة أطروحته عن عائلات جدة الاقتصادية كان يتردد على منزل العم محمد الرقام لتصحيح معلومات أو السؤال عن العائلات في حقبة تاريخية عاصرها.
أذكر عندما زرته للمرة الأخيرة في غرفة العناية المركزة وكان يتكلم بصعوبة قربني إليه وقال بصوت أنهكه المرض: يا صالح أرجوك أن تساعد ابني جهادا لإنجاز طباعة الكتاب وكان يقصد كتابه الثاني (جدة.. حكايات من الزمن الجميل)
صدر الكتاب بعد وفاته يرحمه الله أنيقا جميلا في غلاف مميز وصور منتقاة بعناية ومقاس مختلف كان بمثابة تلويحة وداع لجدة التي سكنت خاطره وجرت في دمه والتي كان مهموما بتاريخها في كل مراحل حياته وكان حتى وفاته وقد جاوز التسعين يتذكر دقائق الأمور وتفاصيل التفاصيل لأحداث وأسماء مرت عليها عقود تعادل عمره يرحمه الله.
وكان العم محمد الرقام قد أصدر كتابه الأول (جدة داخل السور) من سنوات ولم يكن راضيا كل الرضا عنه وغالبه القلق على تاريخ أدرك مسؤوليته تجاهه، فكم كان يتصل بي غاضبا إن لاحظ من خاض في حدث أو قضية تاريخية ولم يوفها حقها أو أخطأ في بعضها.
كنت أزوره كل أحد لفترة طويلة برفقة الدكتور سعيد السريحي لنسجل معه موضوعا كل أسبوع، وقد نشرت عكاظ له أكثر من عشرين لقاء كان للدكتور سعيد الفضل بعد الله في إبرازها للقراء منذ سنوات تكلم فيها عن الأسر والحارات والأزقة والحرف والصناعات والمغنين والكتاتيب والشخصيات الاجتماعية والمعالم التاريخية بتفاصيل قلما تجدها واضحة عند أترابه حتى إنه يسرد لك تفاصيل المحادثة الهاتفية مع وزير الملك منذ ستين عاما أو أن يعدد لك أسماء البائعين في الخاسكية قبل ذلك في زمن الأشراف مثلا، أو أن يصف لك هيئة البائعين الجائلين مثل (حنيفة بائع الدندرمة التي تسمى الآيسكريم الآن، وناجي بائع البسبوسة الذي كان يجول في المدارس، وكان الناس يتحرون وصوله للذة ما يصنع) .
ولقد اتصلت دارة الملك عبدالعزيز بالعم محمد مدركة أهمية التاريخ الشفوي الذي يحمله فقامت مشكورة بتسجيل عدة حلقات مسموعة عن تاريخ جدة معه لمكتبتها الشفوية، يقول العم محمد عن نفسه في مقدمة كتابه: (ولدت في حارة البحر.. وفي صغري ارتدت كتاب الشيخ طه توينه، ثم كتاب الشيخ عبدالحميد عطية، ثم كتاب الشيخ محمد الصاوي، ثم انتقلت بعد ذلك إلى المدرسة الرشدية.. وكان لنشأتي بين كوكبة من الشيوخ المخضرمين الذين عاصروا الفترة الأخيرة من العهد العثماني ثم في زمن الأشراف، ثم بداية تكوين المملكة العربية السعودية الأثر الكبير في تنوع ما حملته ذاكرتي عن جدة التي عشت في ربوعها وعشقتها).
يرحم الله العم محمد فلقد كان موسوعة جداوية يسكنها الشغف بجدة ويحركها الحب لتاريخها ويملؤه القلق خوفا أن يندثر هذا التاريخ الجميل الذي عاشه في طفولته وتألق فيه في شبابه وحرص عليه في شيخوخته وأوصاني عليه حين كان الموت يرفرف في غرفة العناية المركزة في المستشفى التي حملوه منها إلى مثواه الأخير قبل شهور قليلة.
من أجمل ما عرفته وعرفه غيري في قدرات العم محمد درويش الرقام تلك الذاكرة الناصعة التي ظلت واعية برغم سنواته التسعين.
كان حديثه عن جدة حديث المسكون بتاريخها في كل مرة التقيته، حين كنا نتسامر في المقهى أو حين نزوره مع بعض الضيوف من الداخل والخارج في منزله. وأذكر أن طالبا فرنسيا أقام أشهرا في جدة لكتابة أطروحته عن عائلات جدة الاقتصادية كان يتردد على منزل العم محمد الرقام لتصحيح معلومات أو السؤال عن العائلات في حقبة تاريخية عاصرها.
أذكر عندما زرته للمرة الأخيرة في غرفة العناية المركزة وكان يتكلم بصعوبة قربني إليه وقال بصوت أنهكه المرض: يا صالح أرجوك أن تساعد ابني جهادا لإنجاز طباعة الكتاب وكان يقصد كتابه الثاني (جدة.. حكايات من الزمن الجميل)
صدر الكتاب بعد وفاته يرحمه الله أنيقا جميلا في غلاف مميز وصور منتقاة بعناية ومقاس مختلف كان بمثابة تلويحة وداع لجدة التي سكنت خاطره وجرت في دمه والتي كان مهموما بتاريخها في كل مراحل حياته وكان حتى وفاته وقد جاوز التسعين يتذكر دقائق الأمور وتفاصيل التفاصيل لأحداث وأسماء مرت عليها عقود تعادل عمره يرحمه الله.
وكان العم محمد الرقام قد أصدر كتابه الأول (جدة داخل السور) من سنوات ولم يكن راضيا كل الرضا عنه وغالبه القلق على تاريخ أدرك مسؤوليته تجاهه، فكم كان يتصل بي غاضبا إن لاحظ من خاض في حدث أو قضية تاريخية ولم يوفها حقها أو أخطأ في بعضها.
كنت أزوره كل أحد لفترة طويلة برفقة الدكتور سعيد السريحي لنسجل معه موضوعا كل أسبوع، وقد نشرت عكاظ له أكثر من عشرين لقاء كان للدكتور سعيد الفضل بعد الله في إبرازها للقراء منذ سنوات تكلم فيها عن الأسر والحارات والأزقة والحرف والصناعات والمغنين والكتاتيب والشخصيات الاجتماعية والمعالم التاريخية بتفاصيل قلما تجدها واضحة عند أترابه حتى إنه يسرد لك تفاصيل المحادثة الهاتفية مع وزير الملك منذ ستين عاما أو أن يعدد لك أسماء البائعين في الخاسكية قبل ذلك في زمن الأشراف مثلا، أو أن يصف لك هيئة البائعين الجائلين مثل (حنيفة بائع الدندرمة التي تسمى الآيسكريم الآن، وناجي بائع البسبوسة الذي كان يجول في المدارس، وكان الناس يتحرون وصوله للذة ما يصنع) .
ولقد اتصلت دارة الملك عبدالعزيز بالعم محمد مدركة أهمية التاريخ الشفوي الذي يحمله فقامت مشكورة بتسجيل عدة حلقات مسموعة عن تاريخ جدة معه لمكتبتها الشفوية، يقول العم محمد عن نفسه في مقدمة كتابه: (ولدت في حارة البحر.. وفي صغري ارتدت كتاب الشيخ طه توينه، ثم كتاب الشيخ عبدالحميد عطية، ثم كتاب الشيخ محمد الصاوي، ثم انتقلت بعد ذلك إلى المدرسة الرشدية.. وكان لنشأتي بين كوكبة من الشيوخ المخضرمين الذين عاصروا الفترة الأخيرة من العهد العثماني ثم في زمن الأشراف، ثم بداية تكوين المملكة العربية السعودية الأثر الكبير في تنوع ما حملته ذاكرتي عن جدة التي عشت في ربوعها وعشقتها).
يرحم الله العم محمد فلقد كان موسوعة جداوية يسكنها الشغف بجدة ويحركها الحب لتاريخها ويملؤه القلق خوفا أن يندثر هذا التاريخ الجميل الذي عاشه في طفولته وتألق فيه في شبابه وحرص عليه في شيخوخته وأوصاني عليه حين كان الموت يرفرف في غرفة العناية المركزة في المستشفى التي حملوه منها إلى مثواه الأخير قبل شهور قليلة.
من أجمل ما عرفته وعرفه غيري في قدرات العم محمد درويش الرقام تلك الذاكرة الناصعة التي ظلت واعية برغم سنواته التسعين.