صحفي بريطاني يكشف أسرار رحلة جون داعش

الجمعة - 19 فبراير 2016

Fri - 19 Feb 2016

احتجز تنظيم داعش وقبله تنظيم القاعدة في العراق الرهائن، خاصة الأمريكيين والبريطانيين، في مكان مظلم تماما، وكانوا لا يقدمون لهم إلا ما يبقيهم ـ بالكاد ـ على قيد الحياة من الطعام، ويخضعونهم لجلسات التعذيب الوحشي بشكل متكرر، ويعرضونهم لكثير من حالات الإعدام الوهمية والعذاب النفسي قبل قطع رؤوسهم أمام عدسات الكاميرا بطريقة مروعة.

أحد المسؤولين عن المحافظة على بقاء الأسرى وإدارة جلسات التعذيب وفي النهاية إعدام الأسرى بطريقة وحشية شاب بريطاني من أصول كويتية محمد إموازي، والمعروف في الغرب بلقبه الذي أطلقه عليه الإعلام »جون الجهادي«، نشأ في غرب لندن مع أسرته التي هاجرت إلى بريطانيا في 1994 وحصلت على اللجوء هناك. فكيف تم اكتشاف أمره؟

رمزه يكشفه

منذ نحو سنتين تقريبا، طلب محمد إموازي بعض برامج الكومبيوتر المجانية عبر الانترنت، وما إن بدأ باستخدام الكومبيوتر الذي يملكه حتى تم الكشف عن شخصيته بأنه الجلاد المقنع في داعش المعروف بـ»جون الجهادي». وتعد الصور الرهيبة لجرائمه لرهائن بريطانيين وأمريكيين ويابانيين رأس الحربة التي سبقت حملة داعش الإرهابية في سوريا والعراق وعلى شبكات الانترنت.

وكشف اموزاي عن نفسه بسبب استخدام رمزه ورقمه الذي كان يستخدمه عندما كان طالبا في جامعة ويستمينستر لتحميل البرامج الجديدة مجانا.

وبذلك لم يكشف إموازي فقط عن الشخصية الحقيقية لجون الجهادي، لكنه وقع بنفسه أيضا على قرار قتله، وأصبحت أجهزة الاستخبارات البريطانية والأمريكية تعرف الرجل المطلوب والمكان الذي يعيش فيه.

وكشف عملاء الاستخبارات الغربية على الأرض أن إموازي كان متزوجا ولديه ولد، ويعيش مع أسرته في المركز الإعلامي في قلب عاصمة داعش، الرقة. وفيما كان يصعد إلى شاحنة بعد خروجه من المنزل، تم استهدافه مع أحد رفاقه بصاروخ من نوع »هيلفاير« من طائرة أمريكية بدون طيار، وقتل الاثنان على الفور.

مقابلة سابقة

وبعد الكشف عن شخصية جون الجهادي بفترة من الوقت، تذكر الصحفي روبرت فيركايك أنه أجرى مقابلة مع إموازي في 2009 عندما ادعى أنه يتعرض مع مجموعة من الشباب المسلمين الآخرين إلى مضايقات من جهاز الاستخبارات الداخلية ومكافحة الإرهاب في بريطانيا (MI5)، وتم تبادل عدد من الرسائل الالكترونية بينهما حول هذا الأمر.

من طالب لقاتل

ومن هذه النقطة ينطلق هذا الكتاب الجديد في الكشف عن خلفية إموازي وكيف أصبح خلال سنوات قليلة داعشي. كان كغيره من الشباب المراهقين، يحب موسيقى البوب الشعبية ويشرب الكحول ويرتاد النوادي الليلية. تلقى نصيبا جيدا من التعليم وحصل على درجة البكالوريوس في علوم الكومبيوتر من جامعة ويستمينستر في لندن. فما الذي جعله يتحول من شاب لندني نموذجي تقريبا إلى قاتل سادي مخيف؟

هذا هو السؤال الذي يحاول فيركايك الإجابة عنه في كتابه الجديد »جون الجهادي: صُنع إرهابي«، ويتميز فيركايك عن غيره من الصحفيين في كونه التقى إمزاوي في الحقيقة وتحدث إليه عندما كان صحفيا في الاندبندنت البريطانية حول مضايقات جهاز الاستخبارات البريطاني له.

وأصبح محط اهتمام أجهزة الاستخبارات السرية بسبب الصداقات الكثيرة التي كانت تربطه مع أشخاص معروفين بميولهم الجهادية، خصوصا بعد محاولته الانضمام إلى »تنظيم الشباب« الإسلامي الصومالي المرتبط مع القاعدة. ولكن محاولته لم تكلل بالنجاح وتمت إعادته من تنزانيا، حيث ادعى أنه واثنين من رفاقه الجهاديين كانوا في الواقع يريدون الانضمام إلى رحلة سفاري.

ومنذ ذلك الحين تم وضع إموازي تحت المراقبة. ويبدو أنه حاول الزواج مرتين لكنه فشل في ذلك لأن الاستخبارات في كل مرة يبلغ عائلة الفتاة بميوله الجهادية. نتيجة لذلك تولدت لديه كراهية مرضيِّة تجاه بريطانيا.

وبالنسبة إليه، كانت أي محاولة من قبل الدولة لمراقبة إرهابيين محتملين مثله تعدّ انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان. من خلال هذا المنظور، لقي التشجيع من جماعة الدفاع عن السجناء الإسلاميين في بريطانيا (CAGE) التي وصفه رئيسها عاصم قريشي بأنه شاب »لطيف ورقيق للغاية وجميل«.

ليس هناك مبرر

آراء فيركايك تبدو منقسمة إلى جزأين: فهو تارة يريد أن يصدق أن إموازي كان شابا عاديا تسببت مضايقات أجهزة الاستخبارات السرية له بانحرافه، وتارة أخرى يميل إلى تصديق الأدلة الكثيرة التي تشير إلى أنه كاذب محترف وأن أجهزة الاستخبارات السرية كانت على حق في ملاحقته لأنه كان جهاديا منذ البداية.

ولكن لا يوجد شيء على الإطلاق يمكن أن يبرر أو يفسر ممارساته فيما بعد. ولو كان فعلا تعرض للمراقبة الصارمة التي كان يدعيها، فكيف استطاع أن يخرج من بريطانيا ويذهب إلى سوريا دون أن يلاحظه أحد؟ يقول فيركايك إن هذا الأمر يعدّ محرجا بالنسبة لأجهزة الاستخبارات.

ويتساءل فيما إذا كان بالإمكان عمل أي شيء لمنع إموازي من التحول إلى شخصية إرهابية مخيفة، ثم يعبر عن اعتقاده أنه ربما لم يكن ليتحول إلى جون الإرهابي لو كانت الاستخبارات ومكافحة الإرهاب استخدمت أسلوبا أشد صرامة في التعامل معه منذ البداية.

ويقدم الكاتب مثالا عن مجموعة من الشباب الصوماليين الذين كانوا يعيشون في كينتيش شمال لندن، وخضعوا لرقابة مكثفة من قبل الاستخبارات. وعندما سلط فيركايك الضوء من خلال أجهزة الإعلام على مشكلة أولئك الشباب ومعاناتهم بسبب الرقابة الأمنية المكثفة التي كانوا يخضعون لها، اضطرت الأجهزة الأمنية إلى التراجع وتخفيف الرقابة عليهم، وكانت النتيجة أن بعض أولئك الشباب انضموا إلى جماعات إرهابية.

»روبرت فيركايك صحفي بريطاني مستقل مختص بالشؤون الأمنية ويكتب في صحف عدة بريطانية، مثل التلجراف والاندبندنت والتايمز«.