العقل المنسوف في الجسم الناسف!
مفجرو المساجد الأربعة ـ في القطيف والدمام وأبها ونجران ـ أخبرونا والعالم أجمع كيف ماتوا؟ وليتهم لم يفعلوا، ولكن معظمنا يجهل كيف عاشوا؟ وكيف تلاشت لديهم غريزة حب البقاء؟ وتخلوا عن حيواتهم بكل ما فيها، ليلبسوا أحزمة ناسفة، ويفجروا أجسادهم والمصلين في وقت صلاة مفروضة!
مفجرو المساجد الأربعة ـ في القطيف والدمام وأبها ونجران ـ أخبرونا والعالم أجمع كيف ماتوا؟ وليتهم لم يفعلوا، ولكن معظمنا يجهل كيف عاشوا؟ وكيف تلاشت لديهم غريزة حب البقاء؟ وتخلوا عن حيواتهم بكل ما فيها، ليلبسوا أحزمة ناسفة، ويفجروا أجسادهم والمصلين في وقت صلاة مفروضة!
الخميس - 17 ديسمبر 2015
Thu - 17 Dec 2015
مفجرو المساجد الأربعة ـ في القطيف والدمام وأبها ونجران ـ أخبرونا والعالم أجمع كيف ماتوا؟ وليتهم لم يفعلوا، ولكن معظمنا يجهل كيف عاشوا؟ وكيف تلاشت لديهم غريزة حب البقاء؟ وتخلوا عن حيواتهم بكل ما فيها، ليلبسوا أحزمة ناسفة، ويفجروا أجسادهم والمصلين في وقت صلاة مفروضة!
إن القتل ـ سواء قتل الآخر أو قتل النفس (الانتحار) ـ أسلوب لا يحتاج إلى ذكاء دائما! فقط الدافع وغياب العقل يكفيان ـ في أقل الظروف ـ لارتكاب أبشع جريمة على وجه الأرض. وفي تفجير المساجد، القتل بشع مركب، حيث يقتل المفجر نفسه لقتل الآمنين داخل بيوت الله!
ولأن المفجرين نشؤوا في المجتمع الذي ترعرعنا فيه، وانخرطوا في نظام التعليم ذاته الذي تعلمنا فيه؛ فما الذي دفعهم ـ دون غيرهم ـ لارتكاب جريمتهم النكراء؟ وأين كانت عقولهم حين فجروا أجسادهم بين الركع السجود؟
بالعودة إلى بعض التقارير الإعلامية التي نشرت شيئا من تفاصيل حياة أولئك المفجرين، ومراجعة أبرز الدراسات المتخصصة في علوم النفس والاجتماع والجريمة، ظهرت مجموعة من الصفات والسمات المشتركة التي غالبا ما تنطبق على أولئك المفجرين وغيرهم من الإرهابيين، حيث ينتمي المفجرون الأربعة إلى جيل ما بعد (الصحوة)، فأكبرهم يبلغ من العمر 35 عاما والبقية لا زالوا يعيشون المراهقة، المرحلة التي تتسم بالقلق والتوتر وعدم الاستقرار نتيجة التغيرات الجسدية والنفسية والتي يعاني المراهق بسببها صراعات داخلية وخارجية، فتبدو عليه مشاعر متناقضة تجعله غير متحكم بحالته الانفعالية، وتظهر لديه سلوكيات متقلبة تجعله غير قادر على التأقلم مع بيئته، فيميل إلى السرية والغموض، ويصبح محبا لتجربة الجديد واكتشاف المجهول، ويميل إلى الارتباط بصديق أو بجماعة لتشاركه مشاعره. وبسبب ضعف التمييز لديه، تجده متى أعجب بنموذجٍ.. تعلق به وقلده، وربما تقمص شخصيته.
ويشترك المفجرون في سمة التطرف الديني، المبني على فهم خاص ومتشدد للدين، فلبسهم للأحزمة الناسفة سبقته عملية نسف لعقولهم، من خلال إقناعهم بتكفير كل من يخالف نهجهم، والتحريض على محاربتهم، بحجة أنهم مرتدون عن الإسلام، كتبريرهم لتفجير مسجد (أبها)؛ أو بحجة أنهم مشركون، كتبريرهم في تفجير مساجد (القطيف) و(الدمام) و(نجران).
تلك المبررات الواهية، لا يقتنع بها إلا من يملك شخصية ضعيفة، ويفتقر إلى الروح النقدية، ما يجعله ساذجا سريع التصديق، وقابلا وبسهولة لأي تحريض. من يملك هذه الشخصية يبالغ في انفعالاته، فتجده محبطا وغير راض عن ذاته، ومتذمرا من المحيط الذي يعيش فيه، ما يجعله متطلعا دوما إلى تغيير مفاجئ وكبير في حياته، فإن لم يتمكن من ذلك، نمت لديه رغبة الخلاص من نفسه!
لقد تسبب تغافلنا عن تطرفهم الديني، وتجاهلنا لشخصياتهم الضعيفة، وعدم اكتراثنا بضغوط المراهقة التي كانوا يعانون منها، لقد تسبب كل ذلك، وغيره معه، في تسهيل مهمة تنظيم (داعش) الإرهابي لاستقطابهم وتجنيدهم في مخططهم الإجرامي، فحولوهم ـ وللأسف ـ إلى عقول موقوتة تتربص بنا، وأجساد مفخخة تعيش بيننا، فلم نستفق إلا مع تناثر الأشلاء بين الصفوف والدماء تسيل من المحراب!