نحن والطائرة
في الطائرة أبسط الأشياء تبدو عظيمة، وتجعلنا نستشعر فضل الله علينا ونحمده على النعمة، صينية الأكل الذي يحتوي على عينات صغيرة -الحمد لله أنها تشاهد بالعين المجردة- نتعامل معها بعناية شديدة وكأنها قطرة ماء في صحراء قاحلة! نتعلم في هذه اللحظة أن نستمتع بأصغر اللقيمات ولا نكاد نترك الصينية إلا وقد غزونا كل ما فيها
في الطائرة أبسط الأشياء تبدو عظيمة، وتجعلنا نستشعر فضل الله علينا ونحمده على النعمة، صينية الأكل الذي يحتوي على عينات صغيرة -الحمد لله أنها تشاهد بالعين المجردة- نتعامل معها بعناية شديدة وكأنها قطرة ماء في صحراء قاحلة! نتعلم في هذه اللحظة أن نستمتع بأصغر اللقيمات ولا نكاد نترك الصينية إلا وقد غزونا كل ما فيها
الأربعاء - 16 ديسمبر 2015
Wed - 16 Dec 2015
في الطائرة أبسط الأشياء تبدو عظيمة، وتجعلنا نستشعر فضل الله علينا ونحمده على النعمة، صينية الأكل الذي يحتوي على عينات صغيرة -الحمد لله أنها تشاهد بالعين المجردة- نتعامل معها بعناية شديدة وكأنها قطرة ماء في صحراء قاحلة! نتعلم في هذه اللحظة أن نستمتع بأصغر اللقيمات ولا نكاد نترك الصينية إلا وقد غزونا كل ما فيها.
إقامتنا الجبرية في المقعد وربط الحزام لقطة تدعو للتأمل، في الغالب سلوكنا لا يتجاوز فيها خيارات محددة جدا، تفاصيل السيناريو الذي نعيشه داخل الطائرة كل مرة هو اختبار عملي لطبيعتنا الفطرية! الشخص الاجتماعي لن يفوت فرصة فتح باب الحوار مع من يجلس بجانبه، لكن ليس إن كانت سيدة لأنها ستهرب إلى أبعد بقعة ممكنة تضمن فيها عدم جلوسها بجوار رجل ليس محرما لها، لأنه ما إن ينتهي من صينيته وعيناتها سيسطو على ممتلكات صينيتها!أما الشخص المثقف فسيبدأ بتصفح جريدته ثم يخرج كتابه ليغوص معه في أحضان السماء، وينعزل عن حسابات الزمان والمكان ويضيع وسط خطوط الطول والعرض ولا يعود يعي شيئا من العالم المحيط به سوى سطور كتابه وثمالته على رائحة عطر الصفحات.
وهناك فئة من عشاق الأفلام وهواة السينما، يعتبرون أنفسهم محظوظين جدا إن كانت الطائرة ليست من طراز العصر الحجري ليشاهدوا الأفلام على شاشاتها الصغيرة بمتعة لا تقل عن المشاهدة في صالات السينما حتى يثقل النوم أجفانهم! وآخرون يبحثون عن قصاصة ورق أو صفحة بيضاء على جهاز ذكي ليدونوا فيها مذكراتهم ومشاعرهم وقصصهم مستغلين جنون الوقت الخارج عن القانون الذي لا يحكمه إلا فتح وربط حزام الأمان، ومدرج هبوط الطائرة الذي نولد عليه من جديد.
وفئة أخرى من المسافرين تقرأ القرآن وتسبح الله ثم تصلي على سيدنا رسول الله عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، تتلذذ بالعبادة والذكر والتدبر وهي في أحشاء الكيان الحديدي المعجزة العلمية وأكثر اختراعات الإنسان عبقرية التي راقب فيها بديع صنع الله في الطيور واستوحى تصميمها منه..وبين من ينام ومن يقرأ والآخر الذي يشاهد أو يتدبر ومن يصمت ومن يتحدث!! مع كل تذكرة طيران جديدة نسافر في رحلة معنوية نحو عوالم أنفسنا، لنعيد اكتشاف ذواتنا عبر اهتماماتنا التي نمارسها تحت ضغط الإقامة الجبرية ونستمتع بها.