بريطاني في الخرّارة

مع موجة الأمطار التي هطلت على المملكة الأيام الماضية، اتصل بي زميل بريطاني له سنة بالرياض، ويود أن يخرج خلال إجازة نهاية الأسبوع إلى أي ضاحية من ضواحي الرياض

مع موجة الأمطار التي هطلت على المملكة الأيام الماضية، اتصل بي زميل بريطاني له سنة بالرياض، ويود أن يخرج خلال إجازة نهاية الأسبوع إلى أي ضاحية من ضواحي الرياض

الاثنين - 07 ديسمبر 2015

Mon - 07 Dec 2015



مع موجة الأمطار التي هطلت على المملكة الأيام الماضية، اتصل بي زميل بريطاني له سنة بالرياض، ويود أن يخرج خلال إجازة نهاية الأسبوع إلى أي ضاحية من ضواحي الرياض. سألته مباشرة: أي الأماكن والمتنزهات زرتها خلال الـ365 يوما الماضية؟ فصعقت لرده: لم أخرج من منزلي مطلقا!! وهذه أول مرة أخرج فيها! كان القرار مباشرة وبلا تردد، ومن تجارب سابقة مع أبناء العم سام، أن نذهب لمتنزه (الخرّارة) الواقع غرب مدينة الرياض، وهي جبال من الكثبان الرملية الذهبية، حيث تتحول للوحة من الجمال عندما تهطل الأمطار، ويتهافت عليها سكان الرياض كتهافت الظمآن على الماء العذب، ويتوسطها مجمع لماء السيول، ويكون المنظر النهائي عبارة عن تلال ذهبية تحيط ببحيرة من الماء.

انطلقنا إلى هناك، وكنت حريصا على ملاحظة ردة فعل صاحبي البريطاني عندما يرى المشهد، وحرصت أكثر أن نصل للقمة العليا للتلال ليتسنى له رؤية بانورامية للتحفة الطبيعية لمتنزه الخرارة، وهي ممتلئة بآلاف مؤلفة من الناس قد قدموا للمتعة ونشر الابتسامة على محيا من يحبون من أطفال وزوجات.

كان صوت الأطفال والضحكات والأنس والبهجة حاضرا، وكانت الشمس مختبئة خلف أكوام من السحب، والمشهد العام غارقا في الجمال، لوحة موناليزية لم يشاهدها من قبل، لأن من رسمها هو (دافنشي) سعودي، قرر أن يرى ملامح الوجه الذي يحب وهو محشو بابتسامة ساحرة.

سألته وطلبت منه أن يكون صادقا، وأن يبتعد عن الإجابات الدبلوماسية: ما انطباعك الشخصي عما شاهدته اليوم، والشمس تستأذننا في الغروب؟ فأجاب بصوت متهدج: سأكون صادقا معك.. ما رأيته اليوم لم أره في أي صحيفة أو قناة بريطانية في حياتي!! لقد رأيت وجها آخر للسعوديين لم أكن أعلم بوجوده مطلقا! كنت أحمل صورة نمطية محددة عن طبيعة حياة السعودي، تحطمت جميعها في الخرارة، وتعلمت من هذا درسا لن أنساه، وهو أن لا أحكم على مجتمع أو ثقافة بناء على ما يريد صحفي أن أراهم بالشكل الذي يريد، ولو كان ذلك الصحفي في الجارديان أو التايمز! ثم ختم حديثه: مثل هذه الصور من الصعب أن تنسى، وهي تنقل صورة قد لا تريد صحف كثيرة نشرها عنكم وعن بلدكم!صديقي البريطاني، والذي يعمل في بنك سعودي، لا يختلف كثيرا عن آلاف الإعلاميين الذين يهاجموننا بالتخلف والإرهاب صباح مساء، ويصفوننا بصفات تجعلنا نضحك من بلاهتها وغبائها! فكيف تتهم المملكة أنها تدعم الإرهاب وهي من أكثر 5 دول بالعالم اكتوت بنار الإرهاب والتكفير والتفجير؟ كيف تدعم المملكة الإرهاب - كما ظهر في البرلمان الفرنسي مؤخرا - والرجل الثاني في الدولة، محمد بن نايف، كاد أن يذهب ضحية عملية إرهابية، لأنه قرر بشيم الرجال احتضان ابن عاق للوطن، حينما أعطاه الأمان وأرسل طائرته الشخصية، وكانت يد الغدر حاضرة، في مشهد كانت القدرة الإلهية حاضرة فيه! للذين هاجموا المملكة لأنها استضافت توماس فريدمان، تذكروا قصة صاحبي البريطاني، وتذكروا أن منهج الاختباء والركون لا يجدي نفعا في عصر سرعة تويتر وتجاوب الواتس اب.

ليس لدينا ما نخفيه أو نخافه.. نحتاج أن نرتب الأفكار ونواجه العالم فنصحح المفاهيم الخاطئة، ونعزز التصورات الإيجابية، وهذا من الجهاد بالكلمة عن ديننا وقيمنا ووطننا.