تشريح الدكتوراه!
الأحد - 01 ديسمبر 2019
Sun - 01 Dec 2019
بين فترة وأخرى أعقد اجتماعا مصغرا بيني وبين نفسي ونتجادب أطراف الحديث حول بعض أمور التدريب والتعليم والأكاديميا عموما، ونقوم بأدوار تشبه ما يقوم به مبضع الجراح، وغالبا ما ينتهي هذا الاجتماع (الذاتي) بتوصيات وإجابة عن تساؤلات!
هذا الأسبوع كان مختلفا لأن الموضوع كان شائكا قليلا، وهو محاولة الإجابة عن سؤال كبير في الأكاديميا مفاده: لماذا تبتعث الجامعة مدرسيها لنيل درجة الدكتوراه؟ أو بصيغة أوضح: ما هو الهدف من الابتعاث لدرجة الدكتوراه؟ وما الذي سيعود به على الجامعة أو الكلية؟
ولأني أعي تماما أن الجواب المباشر من قبل دور الأكاديميا (الجامعات والكليات) أن الهدف الأساسي للابتعاث للدكتوراه هو تأهيل أعضاء هيئة التدريس وتزويدهم بالمعرفة والمهارات اللازمة لسد الاحتياجات التعليمية والتدريبية، فإنني سأقف عند بعض المحطات الفلسفية في العمل الأكاديمي، وتحديدا عند هذا الهدف لكي أعود إلى نفسي من سبأ بخبر يقين!
إذا كان الدور الذي يمارسه بعض دكاترة الجامعة تدريسيا مشابها لما يقوم به حملة البكالوريوس (المعيدون) والماجستير (المحاضرون) ومدرسو اللغات، فما هو المتوخى من الابتعاث للدكتوراه؟ دعوني أكون أكثر وضوحا وأسأل بطريقة أخرى: إذا كان بعض حملة الدكتوراه يتعاقبون على تدريس المادة نفسها هم وزملاؤهم حملة الماجستير والبكالوريوس، فلماذا تم طلب تأهيل أكبر في الوقت الذي يمكن أن يقوم به تأهيل أقل؟
السؤال الذي يليه كان متقدما قليلا ودار بيني وبين نفسي المتسائلة حول ارتباط الدكتوراه بالجانب البحثي، وجاء السؤال على صيغة: هل تمت الاستفادة من أبحاث حملة الدكتوراه في تطوير الأداء الجامعي معرفيا من خلال تغيير مقررات بأكملها وقوفا عند نتائج أبحاث مبتعثي الدكتوراه منها؟ أو من خلال إعادة هيكلة التعليم بها طبقا لتوصيات دكاترتها في أبحاثهم؟ هل تم استحداث موارد دخل اقتصادي واستغناء ذاتي للجامعة self-funding طبقا لأبحاث مبتعثيها؟ هل ساهمت أبحاث الدكتوراه فعليا في تغيير وجه الجامعات أو بعضها استنادا على دراسات حملة الدكتوراه من منسوبيها بحيث إننا سمعنا حصريا أن جامعة ما تحولت كليا نحو اتجاه تنموي إيجابي كمحصلة لما أوصى به دكاترتها في دراساتهم؟
السؤال الأخير كان محرجا قليلا، بل ويعكس تحديا للسؤالين السابقين، ودار حول ما قدمته درجة الدكتوراه وما يليها لأساتذة الجامعات؟ فكان الجواب متعددا وأهم معالمه: أن الدكتوراه كانت أداة جيدة لنيل المناصب القيادية بالجامعة بصرف النظر عن التخصص، وأن الدكتوراه وما يتبعها من بحوث تسير باتجاه الترقيات العلمية، وأن الدكتوراه إكسير فعال للظهور الإعلامي في المحافل والتظاهرات الاجتماعية، وأن الدكتوراه في نسختها المعاصرة كانت لدى البعض فرصة للإفتاء في كل علم وإبداء الرأي في كل مجال، وهو ما يتعارض مع طبيعة المعارف ومنطق الأمور!
سأختم بالقول إن درجة الدكتوراه درجة علمية كبيرة في اسمها ورسمها، ولا بد أن يوازي هذا العلو علو مماثل في الأدوار المنوطة بحاملها. لا بد أن تدرك الجامعات والكليات أن حملة الدكتوراه كنوز معرفية بذلت الدولة أعزها الله على ابتعاثهم أموالا طائلة، وقضوا في الغربة سنين طويلة اكتسبوا فيها بعدا معرفيا وثقافات متعددة، وكلاهما رافد إيجابي لتعزيز العمل الأكاديمي ومسيرة العمل الوطني التنموي، لا بد لدور الأكاديميا أن تراجع سياساتها حول ما ستجنيه إيجابيا وعمليا ممن قضى قرابة أربعة عقود من عمره بين حجر التعلم ورفوف المكتبات وأنابيب المعامل وورش التقنية ووراء شاشات الحاسب، وأن تدرك دور الأكاديميا المعاصرة أن طموح الوطن في أبنائه حملة الدكتوراه يفوق بسنوات ضوئية مجرد ترقيات علمية أو مناصب إدارية أو احتفالات فخرية لبعض حملة الدكتوراه.
لا بد من مراجعة شاملة لقوائم حاملي الدكتوراه بالجامعات والكليات، يتبعها فكر عميق لوضع كل واحد منهم في موضعه الصحيح ليعود بالنفع المتوخى منه علميا واقتصاديا وإبداعيا، وحين (نفعل) فإننا (سنفعّل) المفهوم الحقيقي لفلسفة الدكتوراه، وسننعم مع هذا الوطن الكبير والجميل والجديد بكل رائع ومفيد.
dralaaraj@
هذا الأسبوع كان مختلفا لأن الموضوع كان شائكا قليلا، وهو محاولة الإجابة عن سؤال كبير في الأكاديميا مفاده: لماذا تبتعث الجامعة مدرسيها لنيل درجة الدكتوراه؟ أو بصيغة أوضح: ما هو الهدف من الابتعاث لدرجة الدكتوراه؟ وما الذي سيعود به على الجامعة أو الكلية؟
ولأني أعي تماما أن الجواب المباشر من قبل دور الأكاديميا (الجامعات والكليات) أن الهدف الأساسي للابتعاث للدكتوراه هو تأهيل أعضاء هيئة التدريس وتزويدهم بالمعرفة والمهارات اللازمة لسد الاحتياجات التعليمية والتدريبية، فإنني سأقف عند بعض المحطات الفلسفية في العمل الأكاديمي، وتحديدا عند هذا الهدف لكي أعود إلى نفسي من سبأ بخبر يقين!
إذا كان الدور الذي يمارسه بعض دكاترة الجامعة تدريسيا مشابها لما يقوم به حملة البكالوريوس (المعيدون) والماجستير (المحاضرون) ومدرسو اللغات، فما هو المتوخى من الابتعاث للدكتوراه؟ دعوني أكون أكثر وضوحا وأسأل بطريقة أخرى: إذا كان بعض حملة الدكتوراه يتعاقبون على تدريس المادة نفسها هم وزملاؤهم حملة الماجستير والبكالوريوس، فلماذا تم طلب تأهيل أكبر في الوقت الذي يمكن أن يقوم به تأهيل أقل؟
السؤال الذي يليه كان متقدما قليلا ودار بيني وبين نفسي المتسائلة حول ارتباط الدكتوراه بالجانب البحثي، وجاء السؤال على صيغة: هل تمت الاستفادة من أبحاث حملة الدكتوراه في تطوير الأداء الجامعي معرفيا من خلال تغيير مقررات بأكملها وقوفا عند نتائج أبحاث مبتعثي الدكتوراه منها؟ أو من خلال إعادة هيكلة التعليم بها طبقا لتوصيات دكاترتها في أبحاثهم؟ هل تم استحداث موارد دخل اقتصادي واستغناء ذاتي للجامعة self-funding طبقا لأبحاث مبتعثيها؟ هل ساهمت أبحاث الدكتوراه فعليا في تغيير وجه الجامعات أو بعضها استنادا على دراسات حملة الدكتوراه من منسوبيها بحيث إننا سمعنا حصريا أن جامعة ما تحولت كليا نحو اتجاه تنموي إيجابي كمحصلة لما أوصى به دكاترتها في دراساتهم؟
السؤال الأخير كان محرجا قليلا، بل ويعكس تحديا للسؤالين السابقين، ودار حول ما قدمته درجة الدكتوراه وما يليها لأساتذة الجامعات؟ فكان الجواب متعددا وأهم معالمه: أن الدكتوراه كانت أداة جيدة لنيل المناصب القيادية بالجامعة بصرف النظر عن التخصص، وأن الدكتوراه وما يتبعها من بحوث تسير باتجاه الترقيات العلمية، وأن الدكتوراه إكسير فعال للظهور الإعلامي في المحافل والتظاهرات الاجتماعية، وأن الدكتوراه في نسختها المعاصرة كانت لدى البعض فرصة للإفتاء في كل علم وإبداء الرأي في كل مجال، وهو ما يتعارض مع طبيعة المعارف ومنطق الأمور!
سأختم بالقول إن درجة الدكتوراه درجة علمية كبيرة في اسمها ورسمها، ولا بد أن يوازي هذا العلو علو مماثل في الأدوار المنوطة بحاملها. لا بد أن تدرك الجامعات والكليات أن حملة الدكتوراه كنوز معرفية بذلت الدولة أعزها الله على ابتعاثهم أموالا طائلة، وقضوا في الغربة سنين طويلة اكتسبوا فيها بعدا معرفيا وثقافات متعددة، وكلاهما رافد إيجابي لتعزيز العمل الأكاديمي ومسيرة العمل الوطني التنموي، لا بد لدور الأكاديميا أن تراجع سياساتها حول ما ستجنيه إيجابيا وعمليا ممن قضى قرابة أربعة عقود من عمره بين حجر التعلم ورفوف المكتبات وأنابيب المعامل وورش التقنية ووراء شاشات الحاسب، وأن تدرك دور الأكاديميا المعاصرة أن طموح الوطن في أبنائه حملة الدكتوراه يفوق بسنوات ضوئية مجرد ترقيات علمية أو مناصب إدارية أو احتفالات فخرية لبعض حملة الدكتوراه.
لا بد من مراجعة شاملة لقوائم حاملي الدكتوراه بالجامعات والكليات، يتبعها فكر عميق لوضع كل واحد منهم في موضعه الصحيح ليعود بالنفع المتوخى منه علميا واقتصاديا وإبداعيا، وحين (نفعل) فإننا (سنفعّل) المفهوم الحقيقي لفلسفة الدكتوراه، وسننعم مع هذا الوطن الكبير والجميل والجديد بكل رائع ومفيد.
dralaaraj@