العريفي دلال

الجامعات «السائلة» والنظام الجديد

الاحد - 17 نوفمبر 2019

Sun - 17 Nov 2019

أرجو أن تسمحوا لي اليوم يا أصدقاء باستعارة مفردة «السائلة»، المفضلة لدى عالم الاجتماع البولندي السيد زيجمونت باومان، والتي استخدمها في عناوين كتبه للتعبير عن مستوى الهشاشة والضعف حين تحدث عن الحياة والعلاقات والروابط وغيرها. واعلموا أني لم ألجأ لها إلا لأني لم أجد أنسب منها للحديث عن بعض مؤسسات التعليم العالي. فقد اطلعت كغيري على نظام الجامعات الجديد ولا أستطيع إلا أن أعبر عن سعادتي وفخري وأنا أتخيل جامعات الوطن تزاحم جامعات العالم على قمم التميز، وترتقي بالإنسان والمجتمع للوصول إلى فضاءات فكرية وإدارية وتعليمية جديدة لتحقيق غايات البلاد والعباد.

وقد جاء هذا المشروع الطموح لتحقيق الرؤية والتعبير عن آمال الشعب في الوقت نفسه. والحقيقة أني سررت كثيرا باختيار الجامعات الثلاث لتمسك الشعلة الأولى لهذا المشروع، ذلك أن لديها من المقومات «الصلبة» والخبرات السابقة، ما يدعمها في ذلك، ويجعلها مؤهلة وبجدارة لقيادة هذا النظام، ولتكون نموذجا لباقي الجامعات. ولعل ما حققته من نتائج سابقة يزيد من نسبة التفاؤل في نجاحها. فهذه الجامعات وغيرها من الجامعات الأخرى مطالبة بالسير بسرعة طموحات البلاد وقادتها، فالطموحات كبيرة، والآمال عظيمة. وليس من خيار آخر غير التقدم ومواكبة التطور المتسارع الذي لا يتيح أي مساحة للمتقادمين أو المتخاذلين.

ربما تتركز أغلب التساؤلات الآن عن الجامعة «السائلة» أو الهشة، وهذا المصطلح لا يقصد به جامعة بعينها، إنما كل جامعة تفتقر لأبسط المكونات الإدارية والتنظيمية، وتغيب عن أفقها قضايا النزاهة والمساءلة والحوكمة الإدارية. فما من أحد ينكر أن هناك جامعات - وإن كانت قليلة - لا زالت تعمل بالعقلية القديمة، ويعتبرها مسؤولوها أنها بقية مما ترك الوالدان، فيتعاملون معها وكأنها ملكية خاصة، للحد الذي يجري فيه تهميش كل الكفاءات الموجودة، والسير على النهج القديم المليء بعقد الماضي، وعراقيل الحاضر، أما المستقبل فمجهول حتى تصل خط النهاية تماما كنهاية إحدى الروايات البوليسية.

وهذه الجامعات تحتاج أن تتحول من «سائلة» إلى جامعات صلبة، قوية المنهج، رشيدة الإدارة، حكيمة التصرف، تتعهد نفسها بالتطوير الدائم والاستفادة من الخبرات المتراكمة عند الجامعات الأخرى التي تميزت وخطت خطوات نحو المستقبل الجديد بخطى واثقة، وسياسات أوضح، وكفاءة وجودة لا حد لهما.

فجامعاتنا اليوم بحاجة ماسة لتغيير الرداء القديم، ولا يمكن أن يكتفى بنفض الغبار عنه! ولا مجال للتردد أو الإحجام أو الانحراف عن خارطة طريق هذا النظام. كل جامعة من الآن يتوقع منها أن تسخر كل مواردها البشرية والمالية للتحول نحو سماءات النجاح الشامل لكل مجالاتها. ولا يمكن أن تستمر أي جامعة على النهج القديم ثم تتوقع أن تحقق شيئا مختلفا! كما لا يمكن أن يفوز مشارك في سباق الجري بأي ميدالية حتى وإن كانت خشبية وهو يفتقر إلى اللياقة اللازمة، وهو الذي توقف عن كل أنواع الرياضة قبل 20 عاما عندما كان في فصل 5/ج.

@darifi_