فراس طرابلسي

يا متدربي القانون.. امشوا على الأرض هونا

الاحد - 03 نوفمبر 2019

Sun - 03 Nov 2019

ترددت كثيرا قبل الشروع في كتابة مقال أتناول فيه حال العملية التدريبية، والتي تعكس صناعة المتدرب في مكاتب المحاماة المحلية.

ولعل السبب في ترددي هذا أن كل موقف أمر به شخصيا أو يصلني عبر أحد الزملاء من أرباب العمل ذوي الهم المشترك (وهم كثر)، أقول لنفسي: لعلها حالات استثنائية، وأن الاستثناء يثبت القاعدة، والخطأ علينا دوما نحن أصحاب المكاتب.

فالمتدرب المغلوب على أمره هو الحلقة الأضعف في هذه العملية، كما أننا نحن الذين نعيب متدربينا والعيب فينا. ولكن وبعد حصر عدد لا بأس به من المواقف، بات لدي يقين كامل بأن علاقة المتدرب بمكتب المحاماة، وتعامل المتدرب مع المكتب باتا هاجسا يجب الوقوف عنده، وتنظيم هذه العلاقة بما يحمي مكاتب المحاماة من تعامل بعض المتدربين الذين يحملون في طيات تعاملهم كثيرا من اللا مبالاة و عدم المسؤولية.

ولتصل الصورة بشكل أوضح وتتجلى الفائدة من مقالي هذا، ولأن الحكم على الشيء فرع من تصوره، سأسرد فيما يلي التطور الخاص بعلاقة المكتب مع المتدرب من بدايتها إلى انتهائها، وبعد ذلك سأورد جزءا من تصوري لكيفية تنظيم هذه العلاقة، بما يضمن مصلحة أطراف هذه العلاقة، وهما المكتب والمتدرب مع التزامي بالإيجاز قدر المستطاع حفاظا على وقت ومزاج القارئ الكريم. •

تبدأ ولادة زميلي المتدرب في مهنة المحاماة في اللحظة التي يتسلم بها وثيقته الجامعية، وتجوله بين عدد من جهات العمل الحكومية والخاصة لإيجاد عمل مناسب.

وبعد تعثره في هذه الخطوة واصطدامه بعدد من العقبات المتعلقة بطلب الخبرات اللازمة في وظائف القطاع الخاص، يضطر للانصياع لفكرة أن آخر الأبواب المشرعة أمامه هي الالتحاق بمكتب محاماة محلي، وأذكر كلمة محلي باعتبار أن مكاتب المحاماة العالمية في المملكة تطلب شروطا تكاد تكون تعجيزية لمتخرج لا يمتلك إتقانا كاملا للغة الإنجليزية القانونية، وهو غير المتوفر عند السواد الأعظم من أبنائنا من خريجي الجامعات الحكومية، حيث إن الدراسة بها باللغة العربية. وعليه فيلجأ المتدرب للمكاتب الصغيرة والمتوسطة المحلية. •

يدخل المتدرب لمكتب المحاماة مستسلما ومتشدقا بكل جمل الاحترام والإجلال الباقية معه من سنوات الجامعة، فيلقى صاحب المكتب بكل المحبة والتقدير، ويمطره بجمل رنانة مثل (أستاذي القدير- ومعلمي) أرغب في مكتب يحتضنني ويؤمن بحماسي ويستثمر بي. كما أن المتدرب في هذه المرحلة يرفع الراية البيضاء مبكرا ويعترف بأنه لا يملك في جعبته إلا بعضا من الحماس والحلم الذي يرجو تحقيقه ليصبح محاميا جيدا، وأن يجد بيئة تقبل بأن ينضم إليها باعتبار أنه ما زال يافعا يتلمس طريقه المهني، متيقنا أن الجانب العملي والخبرة هما الأهم والسبيل الآمن للوصول لمبتغاه، كما أن الجانب المادي آخر ما يبحث عنه في هذه المرحلة. •

يقابل المتدرب نظير صراحته المفرطة مكتبا وضع على عاتقه تدريب هؤلاء النشء والاستثمار بهم، ويستحضر المكتب الحديث الشريف (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، وتتجلى حالة من المسؤولية بين صاحب المكتب والمتدرب، وذلك بمنحه مكافأة شهرية تضمن له الحد الأدنى من الاتزان المالي في هذه المرحلة، كما يقوم المكتب بتسجيل المتدرب في الإدارة العامة للمحاماة وفي التأمينات الاجتماعية، وتأمين الأدوات اللازمة للمتدرب لشق طريق النجاح والوصول للقب محام معتمد بعد انتهاء فترة التدريب. •

يبدأ المتدرب العمل بتولي عدد من المهام البسيطة المناسبة لقدراته في هذه المرحلة، كمتابعة المعاملات لدى الجهات الحكومية وكتابة بعض التقارير الخاصة بالجلسات، والتي هي في حقيقة الأمر نماذج مجهزة مسبقا تحتاج لملء بعض من محتواها وإرسالها للمحامي المسؤول عن المتدرب. •

بعض بضعة أشهر يتشجع المكتب لمنح المتدرب فرصة الحضور للجلسات القضائية البسيطة (جدا)، والتي لامست خط النهاية في القضية المنظورة، وذلك لمنح المتدرب الثقة بحصوله على عدد من الأحكام باسمه لرفع مستوى الخبرة لدى زميلي المحامي المستقبلي. •

وقبل نهاية السنة الأولى ببضعة أشهر يشعر المتدرب دون سابق إنذار، وربما لبعض عبارات المديح من بعض العامة أو بعض من زملاء المهنة خلال حضوره لبعض الجلسات، أنه أصبح ذا وزن معتبر في المهنة، فهو وحسب وجهة النظر الخاصة بالمتدرب أصبح قادرا ودون أي مساعدة خارجية أن يدخل صحيفة الدعوى الالكترونية، كما أنه بات خبيرا في تبليغ الخصوم عن طريق (العمدة)، كما أنه استطاع الحصول على حكم ابتدائي بصرف النظر عن الدعوى لانتفاء صفة المدعي. وذلك لكونه أخذ المذكرة من المستشار وقدمها لمقام المحكمة الموقرة. •

وهنا نصل لنهاية العلاقة بين المتدرب والمكتب، والتي دوما ما تكون كما يلي: يطلب المتدرب بشكل مباشر توقيع استقالته، مبررا ذلك بأنه تم تقديم عرض أفضل من مكتب آخر، مشيرا إلى أن عقد التدريب ليس إلزاميا، ويمكن لكل أطرافه إنهاؤه في أي وقت دون أي التزام. بناء على ما سبق، سأسمح لنفسي بالتعليق على تصرف هذه الفئة من المتدربين الذين لم يعرفوا من القانون إلا أن لهم حقوقا، ونسوا أن عليهم التزامات في تعاقداتهم مع غيرهم، وأغفلوا أن خروجهم بهذا الشكل قد تترتب عليه تبعات تضع المكتب في حرج مع عملائه، وذلك فيما يتعلق بالملفات المحالة للمتدرب والوكالات الممنوحة له التي سيستلزم إلغاؤها وعمل وكالات جديدة. كما أن الراتب الذي يتذمر المتدرب من أنه متدن لا يكفي حاجته هو الراتب نفسه الذي قبل به حين دخل المكتب وهو يحلف أن الخبرة لا يضاهيها أي راتب يمنح له، وأنه على علم ودراية بأنه بلا خبرة لا يستحق أكثر من مكافأة تعينه على مصاريفه اليومية.

لذا أرى أنه بات لزاما على الجهات ذات العلاقة بوزارة العدل والهيئة السعودية للمحامين سن اللازم من الإجراءات الحازمة التي تحد من خروج المتدرب بهذا الشكل، وتنقله بين المكاتب خلال السنة الواحدة دون الوفاء بما عليه من التزامات. وأخيرا فإن كل ما سبق لا يعدو بعضا من خواطري التي لا غرض لي منها إلا تطوير المهنة، كما أنها همسة عتب لزملائنا المتدربين ليعوا مقولة أن «المجد ليس تمرا أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا». فلا تبدؤوا مسيرتكم العملية بطريقة يشوبها التخبط والاستعجال، واعلموا أن التدريب والتأهيل بحاجة لصدق وصبر منكم تجاه أنفسكم وتجاه مكاتب المحاماة التي التحقتم بها، وأن أهمية المتدرب في مهنة المحاماة لا تقل شأنا عن المستشار صاحب العشرات من سنين الخبرة، فأنتم المستقبل الذي نشرف به لحمل لواء المهنة.

@Firastrabulsi1