تأملات إدارية من وحي «أبل»

السبت - 12 أكتوبر 2019

Sat - 12 Oct 2019

الأيفون ذلك الجهاز السحري العجيب الذي قد يظنه البعض مجرد جهاز اتصال وتواصل، لكنه برأيي يحمل في داخله أسرار العظمة الإدارية لشركة أبل العملاقة، والتي مكنتها من تبوؤ الصدارة في مجال التقنية، هذه الأسرار التي سأحاول - في هذا المقال - أن أتأمل جزءا منها معكم وأربطها بواقعنا الإداري، خاصة أن بلادنا تعيش أعظم مرحلة تحول في تاريخها.

لعل أبرز درس نستلهمه من حياة الأيفون الفريدة هو أن البقاء دوما لمن يقترب من احتياجات الشريحة المستهدفة بخدماته، نجحت أبل لأنها عرفت «لماذا» يحتاج المستخدم جهاز الجوال قبل أن تنشغل بمعرفة «كيف» يستخدمه، وما أكثر الجهود التي تضيع في التفاصيل بدون معرفة المبررات. آمن ستيف جوبز بأن المستقبل لأجهزة اللمس، وأقنع فريقه بجدواها، وانطلق الجميع لتحقيق هذا الهدف، لم تنشغل شركة أبل بتدشين الهوية الجديدة لمنتجها، وإنما انتظرت حتى اكتمل مشروعها وأخرجته للملأ، فالأفعال دوما تتحدث.

دارت العجلة، وتحققت المعجزة وخرج الايفون للوجود، خرج بتغليف يعكس جودة ما بداخله، وبدون دليل للاستخدام، ففلسفة الشركة تقوم على أن عليها تقديم كل شيء بأبسط صورة يفهمها المستخدم، بدلا من كتيبات الاستخدام الضخمة التي لا يقرؤها أحد.

تطور الأيفون على مدار السنوات بإمكانات وأحجام مختلفة، ولم تخلد أبل للعيش في ظل إنجازات الماضي، بل واصلت البحث لتطوير منتجاتها، واستثمرت بسخاء في هذا الجانب حتى وصلت ميزانية البحث والتطوير في العام الماضي إلى نحو 16 مليار دولار!

أيقنت أبل مبكرا أن تنوع احتياجات عملائها أكبر من مقدرتها على الوفاء بها، ولذا ركزت جهودها على توفير المنصة اللازمة لذلك وتركت المجال للمطورين لتقديم حلول مبتكرة من خلال متجر التطبيقات الخاص بها، وهنا انتقلت الشركة من مرحلة الاحتكار إلى مرحلة الشراكة وفتح قنوات جديدة مع المستخدمين.

في الجانب التسويقي، نادرا ما تنشر أبل إعلانات ترويجية لمنتجاتها، فالمنتج المميز سيتحدث عن نفسه، وإذا سطع النجم فالكل سيراه، وإضافة لذلك، عندما تدخل أيا من متاجر أبل حول العالم لن ترى شعارات وديكورات جاذبة، بل مجرد مجموعة طاولات تعرض عليها منتجاتها. أحيانا سر النجاح يكمن في البساطة!

لم تكن أيام أبل دوما وردية، فعندما تصاعدت شكاوى المستخدمين قبل سنتين من سوء أداء بطارية الجهاز بعد تحديث نظام التشغيل، لم تصادم أبل الجمهور، وإنما اعترفت بالخطأ وصححته، وبذلك حولت هذه المشكلة إلى ميزة أمام منافسيها. إن عظمة الكيان تبرز عند الفشل أكثر منها عند النجاح.

تعاقبت إدارات على قيادة شركة أبل، ومع ذلك لم نر تغييرا في سلوك الشركة وهدفها الأساسي، لأن التغيير لديهم ليس غاية بحد ذاته بل وسيلة، فعندما حل تيم كوك بديلا لستيف جوبز في إدارة الشركة لم ينشغل برسم هيكلة جديدة وبناء ولاءات، وإنما واصل عمله فردا ضمن منظومة العمل. استمر النمو واستقطاب الكفاءات المميزة، وتطوير القيادات الحالية.

ختاما، إننا لا نهدف مما سبق إلى الترويج لمنتجات شركة أبل، فلديها من النجاحات ما يكفي لذلك، لكن هي رغبة لإحياء سنة التأمل وتوضيح بعض القيم الإدارية التي تحتاجها كل مؤسسة للإبداع والتميز من خلال إيراد بعض الشواهد الحية، للارتقاء بالتجربة الإدارية في منشآتنا وهي على أعتاب التحول ضمن رؤية الوطن الطموحة 2030.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال