أحمد الهلالي

إطفاء أعضاء هيئة التدريس بالتقاعد!

الثلاثاء - 08 أكتوبر 2019

Tue - 08 Oct 2019

استكمالا لما بدأته في المقالة الماضية عن (التقاعد) تتجه هذه المقالة إلى مناقشة تقاعد أساتذة الجامعات السعودية، فالسن النظامية للتقاعد محددة ببلوغ (عضو هيئة التدريس) الستين، كأي موظف مشمول بلوائح الخدمة المدنية، ويحق للجامعة التعاقد معه إن شاءت، وإن لم تشأ فالستين تكفي لإطفائه نظاميا، وحتى إن حصل على التعاقد فسيكون مصحوبا بشعور سالب واغتراب في مؤسسته، لأنه يسلبه كثيرا من الحقوق الأكاديمية.

إذا علمنا أن عضو هيئة التدريس يحصل غالبا على الأستاذية في تخصصه بعد الخمسين، فإن التقاعد إهدار للكوادر الوطنية، خاصة وقد أصبح الأستاذ عالما، أمضى حياته باحثا في تخصصه، وسيكون إخراجه من الجامعة بموجب السن النظامية قاطعا للإفادة من خبراته المتراكمة، ففي بعض الدول العربية لا يسن التقاعد لأساتذتها؛ لأنهم أصبحوا علماء في مجالاتهم، ويظل الباب مفتوحا لرغبة الأستاذ إن شاء استمرّ وإن شاء تنحى، لكن الضوابط مهمة بالنظر إلى تجاربهم.

في رأيي أن تتجه اللوائح إلى الإبقاء على أساتذة الجامعات وفق اشتراطات معينة، فيظل سن الستين محطة أخيرة لمن قعدت به همته عن واجباته الأكاديمية وظل في رتبة (أستاذ مساعد)، وأن تكون سن الخامسة والستين لمن لم يتجاوز رتبة (أستاذ مشارك)، أما البروفيسور (الأستاذ الدكتور) فيكون تقاعده اختياريا بعد الخامسة والستين مع التماس استمراره في جامعته ما دام يعطي في الحقل الأكاديمي، وليس الإداري، وصحته تساعده وفق التقارير الطبية لما بعد السبعين، دون حاجة إلى مرافعات ومرئيات من أحد، فهذه القامات العلمية هي التي تعطي الجامعات وبرامجها قيمتها العلمية، وشخصيتها الأكاديمية.

يجدر أن تكون «الستون» مرحلة تحرر من القيود الوظيفية والإدارية (للبروفيسور)، مع تكثير المزايا التي ترغّبه وتعطيه المكانة المستحقة، فمن المؤسف أن نجدها اليوم نقطة استجداء يتلمس فيها العلماء موافقات تخضع أحيانا لحسابات شخصية ربما يحصل العضو بموجبها على التعاقد (المنقوص) أو يتلقى طوبة الرفض التي توقف مسيرته، وتحرم الدارسين والباحثين علمه وعطاءه الذي أنفقت عليه الدولة الكثير، فقطعته سكين الستين.

قيمة الجامعات الحقيقية بأسماء علمائها، وعلى جامعاتنا استثمار هذه القيمة بما ينعكس على مخرجاتها، فتجدر الإفادة منهم في عمادات البحث العلمي، والمجالس العلمية وخدمة المجتمع، ولا يليق أن تعامل هذه القامات المضيئة معاملة عادية، كأي موظف مشمول بلوائح الخدمة المدنية، فنحن بحاجة إلى هذه العقول المصقولة بالخبرة والمراس والعلمية، وستكون الأجساد ثانوية، إذ لا نطلب منهم جهدا بدنيا شاقا كما يطلب من المهنيين والموظفين، لذا يجب أن ترتكز معاملتهم على أساس (تقديم العقل على الجسد).

ahmad_ helali@