كن لهم أرضا ذليلة.. وسماء ظليلة
دخل الأحنف بن قيس على معاوية بن أبي سفيان ويزيد ابنه بين يديه، وهو ينظر إلى ولده إعجابا به فقال معاوية سائلا الأحنف: يا أبا بحر ما تقول في الولد؟ فأدرك الأحنف قصد معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين، هم عماد ظهورنا، وثمر قلوبنا، وقرّة عيوننا، بهم نصول على أعدائنا، وهم الخَلَف منّا لمن بعدنا، فكن لهم أرضا ذليلة، وسماء ظليلة، إن سألوك فأعطهم، وإن استعتبوك فأعتبهم، لا تمنعهم رفدك فيملّوا قربك، ويكرهوا حياتك ويستبطئوا وفاتك
دخل الأحنف بن قيس على معاوية بن أبي سفيان ويزيد ابنه بين يديه، وهو ينظر إلى ولده إعجابا به فقال معاوية سائلا الأحنف: يا أبا بحر ما تقول في الولد؟ فأدرك الأحنف قصد معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين، هم عماد ظهورنا، وثمر قلوبنا، وقرّة عيوننا، بهم نصول على أعدائنا، وهم الخَلَف منّا لمن بعدنا، فكن لهم أرضا ذليلة، وسماء ظليلة، إن سألوك فأعطهم، وإن استعتبوك فأعتبهم، لا تمنعهم رفدك فيملّوا قربك، ويكرهوا حياتك ويستبطئوا وفاتك
الأحد - 22 نوفمبر 2015
Sun - 22 Nov 2015
دخل الأحنف بن قيس على معاوية بن أبي سفيان ويزيد ابنه بين يديه، وهو ينظر إلى ولده إعجابا به فقال معاوية سائلا الأحنف: يا أبا بحر ما تقول في الولد؟ فأدرك الأحنف قصد معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين، هم عماد ظهورنا، وثمر قلوبنا، وقرّة عيوننا، بهم نصول على أعدائنا، وهم الخَلَف منّا لمن بعدنا، فكن لهم أرضا ذليلة، وسماء ظليلة، إن سألوك فأعطهم، وإن استعتبوك فأعتبهم، لا تمنعهم رفدك فيملّوا قربك، ويكرهوا حياتك ويستبطئوا وفاتك.
فقال معاوية: لله درّك يا أبا بحر، هم كما وصفت.
وتعلم عزيزي القارئ أن الله عزّ من قائل قال في كتابه الكريم في سورة الكهف الآية (47): (المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخيرٌ أملا).
.
(المال والبنون زينة الحياة الدنيا) أي يتجمّل بهما في الحياة الدنيا.
.
وسبحان من قدّم المال على البنين لعلمه أنه عصب الدنيا الذي إذا أعطيناه حقه من الخوف والتقوى زاد ونما وكان عونا لنا في رعاية الأولاد والعناية بهم حتى يخرجوا للحياة ذرية كريمة تنشر الخير والمحبة والسلام بين الناس.
.
(والباقيات الصالحات) هي: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وكم أعجب لثريٍ لا يقرن زينة الدنيا بين المال والولد.
.
ويجعل المال أولا وثانيا.
.
وعاشرا وأخيرا.
.
وكأنه لم يقرأ السطور الأخيرة من وصف الأحنف للأبناء وما ورد فيها من نصح واضح للآباء.
"لا تمنعهم رفدك، فيملوا قربك، ويكرهوا حياتك، ويستبطئوا وفاتك".
وكأن بعض الأثرياء هدفهم الوحيد من خِلفة الولد أن ينادوه: يا أبا فلان.
وهناك من الناس من يتهم بعضا من الأثرياء بإهمال أولادهم والانشغال عن ما يتوجب عليهم من ثوابت تجاه الاهتمام بهم.
.
وقد أجد في هذا بعضا من الحقيقة التي قادتهم إليها شواغلهم وانصرافهم إلى إدارة دفة أعمالهم، ظنا منهم أنه الربان الوحيد القادر على الإبحار بمركب الحياة في هذا البحر المتلاطم من المصالح والمضاربات والمنافسة.
ونسي في غمرة هذا الاعتقاد أنه ككل البشر.
.
تتقدم به الأيام.
.
ويتعرض للمرض.
.
وأن الموت هو النهاية المحتومة لكل البشر.
.
وفي هذا يقول شاعر:
تأمل في الوجود بعين فكر ترى الدنيا الدنية كالخيالِ
فكل الكائنات غدا ستفنى ويبقى وجه ربك ذو الجلالِ
ولقد رأيت وسمعت عن أثرياء يظنون وهما أنهم عندما يعاملون أبناءهم معاملتهم لموظفيهم والعاملين لديهم فإن هذا من حسن الإعداد ومن العدل.
بينما في هذا الكثير من الإجحاف والإحباط.
.
ورأيت وعاشرت بعضا آخر يؤمن بأولاده زينة وسندا وكما قال الأحنف لمعاوية وهو يصف الأبناء: "هم عماد ظهورنا، وثمر قلوبنا، بهم نصول على الأعداء – وبمفهوم اليوم المنافسين -، وهم الخلف منا لمن بعدنا.
.
"
وبحكم خبرتي الطويلة في التجارة، فإني رأيت أبناء كثرا، يدينون بالفضل لله ثم لآبائهم الذين لم يبخلوا عليهم بالثقة وبالإعداد وبالاعتماد.
.
حتى نمت وكبرت تجارة الآباء والأجداد.
.
وعاشت أعمال الأُسر التجارية تنمو وتكبر وتتطور مع الأيام.
.
حتى صارت صروحا يفخر بها الوطن والمواطن.
إن أكثر التجارب نجاحا في كل الحقول، هي التجارب التي بنيت على المتابعة والرعاية الدائمة والأظفار ناعمة.
.
ولقد تفوق الكثير من خريجي هذه التجارب الحية على كثير من المتخرجين من الجامعات والمعاهد.
.
فليس في الدنيا معلمٌ يتمنى أن يتفوق عليه طالبُه كما هو الأبُ حين يتولى تعليم ولده ويسعد لتفوقه عليه سعادة تُشعره بالرضا وتدخل على قلبه السرور.
لقد كانت هذه المدرسة الأسرية هي السرّ وراء الحفاظ على الكثير من المهن والحرف والتقاليد النقية.
.
وفي مكة المكرمة يقول المثل الشعبي المشهور: "صنعة أبوك لا يغلبوك".
وها نحن اليوم، وبعد هذه العقود الطويلة والأجيال المتعاقبة.
.
نعود إلى الأسرة لندعم إنتاجياتها، ولنؤصل أحقيتها في العمل في هذا الإطار المبارك، ونقيم لها الهيئات الداعمة والمؤسسات المساندة، للتأكيد على أن هذه النواة (الأسرة) هي الأساس في الكسب الشريف والعمل العفيف.
.
في زمن لم تعد فيه الوظيفة الحكومية قابلة للقسمة على كل طلابها، شحيحة على الراغبين فيها.
.
ليس عجزا ولكن لمحدوديتها ولكثرة الباحثين عنها.
.
ظنا أنها الوسيلة الأكثر أمنا والأقل جهدا.
ولعل في توجه الدولة باركها الله لدعم هذه الخطوات ما يوفر عشرات الآلاف، إن لم يكن مئاتها من فرص العمل والكسب المشروع.
.
دون أن نحمل الدولة أعباء جديدة.
.
ونضيف إليها أحمالا يمكن بالعمل الأسري الحر أن يخفف منها وعنها.
وأعود إلى الآباء والأبناء، لأختم مقالة اليوم بهذه الحكاية: قام أحد العابدين يتهجد من الليل فرأى ولده الصغير يقوم إلى جواره فأشفق عليه وقال: ارقد يا ولدي فأمامك ليل طويل.
قال الولد: فما بالك قمت أنت؟ قال: يا بني القيام مطلوب مني.
فقال الغلام: يا أبت لقد حفظت فيما أنزل الله تعالى في كتابه العزيز: (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل، ونصفه، وثلثه وطائفة من الذين معك) سورة المزمل الآية 20، فمن الذين قاموا مع النبي عليه الصلاة والسلام؟ قال الأب: أصحابه.
فقال الغلام: فلا تحرمني شرف صحبتك في طاعة الله.
فقال الأب مندهشا: يا بني أنت لم تبلغ الحلم بعد.
يا أبت إن أمي وهى توقد النار تبدأ بصغار الحطب لتشعل كبارها، وأخشى إن فرطنا أن يبدأ الله بنا يوم القيامة قبل الرجال، فانتفض أبوه وقال: قم يا بني فأنت أولى بالله من أبيك.
هذه هي العلاقة وهذا هو الحوار الذي يُعِدُّ الصغار ليكونوا دائما كبارا.
saleh@makkahnp.
com