علي المطوع

مستقبل مجلس التعاون

السبت - 24 أغسطس 2019

Sat - 24 Aug 2019

في بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي تبنت الكويت ممثلة في أميرها السابق الشيخ جابر الصباح، فكرة إنشاء تجمع سياسي لدول الخليج العربية، هذا التجمع عرف فيما بعد بمجلس التعاون الخليجي، نجحت الكويت في مبادرتها وتبنى الجميع الفكرة وبدأ المجلس أولى قممه من الإمارات العربية المتحدة، وكانت الرياض وما تزال مقرا عاما لأمانته، ونالت الكويت شرف أول أمين عام للمجلس، والذي تولاه الدكتور عبدالله يعقوب بشارة.

حمل المجلس كثيرا من الآمال والطموحات، وواجه عددا من التحديات المصيرية، وكان أولها الحرب العراقية الإيرانية بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والعسكرية، ولعل حرب الناقلات وإشعال فتيل استهدافها من قبل إيران كانا أول اختبار للمجلس ولأعضائه.

ظروف النشأة والتكوين كانت تعكس رغبة حقيقية من الأعضاء في الاصطفاف خلف مشروع توحدي يحفظ أمن المجلس ودوله، ويراعي العلاقات الاجتماعية بين سكان دوله، هذه العلاقة في طبيعتها تقفز إلى مراتب عليا من الخصوصية والتماهي والانسجام.

إلا أن كل ذلك لم يشفع لكثير من مشاريع المجلس أن ترى النور بسبب اختلاف وجهات النظر أحيانا، وأحيانا أخرى بسبب بيروقراطية العمل في هذا المجلس الذي تتنازعه أعراف وبروتوكولات وأعمال إدارية عطلت تلك الرؤى والطموحات.

في حرب الخليج الثانية وقفت السعودية موقفا مشرفا من عدالة القضية الكويتية على الرغم من أن العلاقة بينهما شابها شيء من الضبابية على خلفية شعار دورة كأس الخليج العاشرة عام 1990، والذي جعل السعودية تمتنع عن المشاركة في هذا الكرنفال الكروي كإشارة رمزية على اعتراضها على ذلك المسلك الكويتي الذي خالف قواعد اللباقة الدبلوماسية المعروفة والمتعارف عليها، كل ذلك كان قبل الغزو بنحو ستة أشهر، ومع ذلك وقفت السعودية كدولة محورية وشقيقة كبرى وقفة شرف ومسؤولية ترتب عليها كل تلك الأحداث اللاحقة التي أعادت الكويت إلى الجغرافيا بعد أن حاول البعض إدخالها التاريخ.

ما الجديد ؟

بعض دول الخليج العربي وبعضويتها في هذا المجلس ترى أن لها الحق في الاستقلالية الكاملة بقرارها، حتى لو كان هذا القرار مضرا بالمجلس وبعض دوله.

قطر كعادتها أول من شق الصف الخليجي في تسعينات القرن الماضي عندما أصرت على التحكيم الدولي في جزرها المتنازع عليها مع البحرين، هذا التعنت القطري كان بغرض الخروج من الوصاية السعودية على المجلس ودوله كما يزعمون، وكان الغرض الأهم تعرية المجلس وجعله مجرد مجلس تشريفي يحضر شكلا ويغيب مضامين ومهام، هذه السابقة تفسر المسلك القطري لاحقا في خروجه على المجلس ونصوصه وتعهداته، كل ذلك وفق زعم قطري بأن لها الحق في الاستقلالية بقرارها، وأن من حقها كدولة عضو مثلها مثل السعودية أن تستقل بذاتها وأن تبحث عن مصالحها، هذه المصالح القطرية تثبت الأحداث والوقائع أنها تتعارض مع السعودية ومصالحها، فإيران دولة في حالة عداء مع السعودية، وقطر تملك مع هذه الدولة أمتن العلاقات وأدفأها والحوثيون أعداء للسعودية، وقطر تملك التزاما غير معلن بدعمهم والتفاني في خدمتهم، وتركيا تكن العداء للسعودية وقطر تستضيفها كقوة ردع ضد السعودية، كل هذه التناقضات وما تزال قطر تتمسك بالمجلس وعضويته وقوانينه!

وعمان في فترة سابقة ساهمت في تدشين ورعاية الاتفاق النووي الإيراني مع أمريكا وشركائها الأوربيين، وكانت دول المجلس آخر من يعلم بهذا الاتفاق، وتعاملت عمان مع هذا الملف وفق مصالحها الخاصة والضيقة جدا، وهذا من حقها كدولة لا ترى في المجلس إلا صورة بروتوكولية لا تسمن ولا تغني من جوع !

مع ملاحظة أن أمريكا تعاملت مع عمان بصيغة المفرد بعيدا عن كل صيغ الجمع الخليجية المنتهية بالمجلس ولجانه وأعرافه وتنظيماته!

إذن نحن أمام حالتين من الخلاف قبل أن تكونا اختلافا بين المجلس وشعاراته وبين الممارسات الفردية التي ترى بعض الدول أن من حقها السيادي ممارستها تبعا لمصالحها العاجلة والمنتظرة، لتبقى السعودية تحمل على كاهلها تبعات تحمل أخطاء الآخرين وتجاوزاتهم، كونها كما يقولون الشقيقة الكبرى وعاصمة القرار، والتي يجب عليها - من منظورهم - رعاية مصالح الآخرين قبل مصالحها ومصالح وجودها والأخطار المحدقة بها.

اليوم قطر تمارس العبث السياسي نفسه في المنطقة، والأيام تكشف لشعوب الخليج أنها عدو مركب، تكمن خطورتها في أنها لا تلتزم بعهود ولا بمواثيق، إضافة إلى أنها لا تملك شروط الدولة الراشدة التي يمكن التعامل معها وفق مصالح مشتركة وأهداف واضحة وجلية، فقطر ليست لها سياسة واضحة سوى الإضرار بالسعودية وشعبها، إضافة إلى أن المتابع لحراكها السياسي يجد أنها في كثير من القضايا لا تملك قرارها ولا تستطيع التعبير عن رؤية واضحة تحدد مواقفها، وما حادثة اعتراضها بعد أيام على مخرجات مؤتمرات مكة إلا أكبر دليل على عدم قدرتها على تحديد مسار واضح يحدد الطريقة المثلى للتعامل معها كدولة مستقلة ذات سيادة كما تزعم!

من خلال ما سبق فإننا نلحظ أن مجلس التعاون قد حقق لكثير من أعضائه الاستقرار المنتظر والاندماج الذي يجعلهم جزءا من مجموعة لا فرق فيها بين الكبير والأكبر أو الصغير والأصغر، وفوق هذا يمارس هذا العضو حقه التدميري (السيادي) الذي يشرعن له التعدي والتجاوز والإضرار بالآخرين، متخذا من المجلس وشعاراته وأعرافه خط رجعة يجعله في مأمن من المحاسبة والمسؤولية أمام شعبه وشعوب المنطقة.

إذن ما هو الحل؟

الحل ووفق الأحداث الجارية والتجارب السابقة، والاعتبارات السيادية والمصلحية لكل دولة، والتي تحضر في كل أزمة، هو صياغة نسخة جديدة من التعاون الخليجي / الخليجي، تكون هذه الصيغة ثنائية محددة، تقوم على المصالح المشتركة والقواسم الكثيرة التي تجلب النفع للبلدين المنسقين، وتسمى بالمجالس التنسيقية. ولعل المجلس السعودي الإماراتي يكون نواة وأنموذجا لهذا النوع من التنوع والتعاون المشترك الذي يجعل كل طرف في قمة الالتزام السيادي والمصلحي الذي يضمن له علاقات طبيعية مع الجار الأكبر.

وهذا سيكسب السعودية أبعادا مصلحية جديدة ويجعلها الدولة الأكثر تأثيرا في طبيعة هذه العلاقات، خاصة أنها تملك القاسم المشترك الأعظم بين كل هذه الدول، تاريخا وجغرافيا، وهذا يخولها إعادة تشكيل العلاقة بينها وبين الأشقاء الخليجيين، وفق المصالح المشتركة التي تضمن لها حقوقها ومنافعها، عندئذ يحق لكل دولة من الدول الخليجية ممارسة حقها السيادي الذي تزعمه وفق المعادلة الجديدة التي تكون السعودية بموجبها الدولة الأكبر والأكثر تأثيرا على المنطقة ومحيطها الإقليمي وما وراءه.

@alaseery2