طارق جابر

ما نريد وما يمكننا الحصول عليه

الخميس - 08 أغسطس 2019

Thu - 08 Aug 2019

كنا قد قلنا إن من عوامل اختيار المريض للطبيب عامل المادة وتجارب الآخرين والارتياح النفسي أيضا.

ولنبدأ بالحديث عن الموضوع المزعج وهو التكلفة المادية. هذا الأمر لن يكون عاملا مهما لمن يتلقون العلاج مجانا في مستشفى حكومي أو في الخدمات المشمولة في التأمين، لكنه مهم جدا لمن يرغب بعلاجات معينة كعمليات التجميل وعمليات السمنة التي تقع خارج التغطية التأمينية أو في حالة عدم وجود إمكانية للعلاج المجاني أو عدم الرغبة به، كما أن بعض الأطباء الذين يتعاونون مع مستشفيات خاصة يتقاضون أتعابا إضافية مقابل عملهم.

من الضروري بمكان أن نعرف أن الطب والتقنيات الحديثة مكلفان، ولم يعد الأمر يعتمد على فراسة الطبيب فحسب، ولم تعد «الشاطرة تغزل برجل حصان»، بل أصبحت تستخدم أجهزة متطورة وأدوات دقيقة ليست رخيصة السعر.

ومن الضروري أيضا أن نعرف أن الطب مهنة، والتمريض مهنة، والأفراد فيهما في نهاية الأمر يعملون مثل أي فرد آخر من أجل الرزق والقيام بأعباء الحياة. أما مقولة أنها مهنة إنسانية فلا تتعارض أبدا مع أخذ أجر مقابل العمل، فحتى الأنبياء عليهم السلام كانوا يعملون مقابل أجر، منهم الراعي ومنهم النجار وغير ذلك، ولم يمس ذلك من مكانتهم.

وفي نهاية الأمر، كل نشاط يقوم به الإنسان للإنسان هو عمل إنساني، من تعليم الأطفال إلى صنع الطعام وبناء البيوت.

المميز لمهنة الطب أنها تتطلب درجات عالية جدا من الضوابط الأخلاقية. ولا تقاس نتائجها بالمردود المادي، فإذا كان المهندس يمكنه عمل منزل على (قدر فلوس الزبون) فإن الطبيب لا يمكنه تقديم خدمة المريض وفق ذلك.

عند تقييمنا لوضع أسعار الخدمات الطبية، يلفت انتباهنا وجود تباين هائل في الأسعار. وإذا كان للمشاهد خلفية تؤهله في تقييم ذلك سيلاحظ ظاهرتين متناقضتين.

الأولى أسعار مبالغ فيها جدا أحيانا ولا تعكس بالضرورة أي إضافة، وأحيانا تكون من أطباء لا يعرف عنهم التميز منقطع النظير، ولكنه لعب على وتر نفسية المستهلك الذي يحب أن يتميز حتى لو وهميا، وعلى اعتبار أن الغالي سعره فيه.

والثانية أسعار رخيصة لدرجة مثيرة للشك لا تغطي تكلفة الأدوات والمستهلكات والأدوية، على اعتبار أن الطبيب والفريق كلهم قرروا أن يعملوا مجانا، وهذه عندي أسوأ من الأولى، لأن الحالة الأولى ليس فيها خداع، والعقد شريعة المتعاقدين، أما الحالة الثانية فمن حق المريض والجهات الرقابية أن تتساءل على حساب ماذا تم اختصار التكاليف؟ وما هي الأجهزة والمستهلكات المستخدمة؟ وهل يعاد تدويرها؟ وهل تم إبلاغ المريض بذلك؟

في الأخير، الأطباء والعاملون في صناعة الطب بشر، ومنهم الصالحون ومنهم دون ذلك وإن كنا نجزم أن الأطباء هم شريحة منتقاة وخيار من خيار، ولا نزكي على الله أحدا.

أما موضوع تجارب الآخرين والراحة النفسية، وهما أهم عنصرين في الاختيار، فسنكمل بهما النقاش في المقال المقبل.

هل المقابل المادي للخدمات الطبية يتعارض مع طبيعتها الإنسانية؟

هل سعر الخدمة الطبية يحدد قيمتها الحقيقية؟

بين الغلاء الفاحش، والرخص المثير للشك

drtjteam@