مرزوق تنباك

حرية القول وحرمة المجتمع

الثلاثاء - 30 يوليو 2019

Tue - 30 Jul 2019

لن يعترض أحد رشيد على أن يتمتع الإنسان بحرية التعبير عما يريد، وأن يقول ما يشاء لمن يشاء، وأن يمارس حقه المشروع في الكلام، وهذا ما تحققه كل الشرائع والأديان على مختلف أحوالها وأغراضها. ولكن هناك أيضا حد معتبر لمساحة هذه الحرية، وقانون تشرعه الأمم التي تقدس الحرية وتلتزم بها، وهو أن الإنسان محاسب عما يقول مثلما هو محاسب عما يفعل.

وإذا نال القائلون من قيم المجتمع التي يحترمها الناس أو نالوا من الأشخاص، فإن القانون هو الضامن لمحاسبتهم على أقوالهم مثلما يحاسبهم على أفعالهم، ولأن وسائل القول تعددت وأصبح المرء يستعمل هذه الوسائل المتاحة بحرية تامة، وهو في بيته أو سوقه أو عمله أو أي مكان آخر، فقد تدعوه العجلة وسوء التقدير فينال من أشخاص أو جماعات إما في ذممهم أو معتقداتهم أو سلوكهم أو وطنيتهم، ويكيل التهم بما يظن أو بما يعتقد، فيجرم فلانا ويعتدي على فلان، ويقول ما يضر بسمعة المرء أو الجماعة أو يمس كرامتها، أو يلوذ أحيانا بالتعميم على هذه الفئة بكاملها أو تلك الطائفة جميعها، هربا من المحاسبة والمعاقبة على ما يجيش به صدره المملوء غيظا، لا يعلم سببه إلا هو نفسه أو شيطانه الذي يحيط به ويملأ عليه حياته.

للوقاية من مثل هذه الحرية التي لا تقف عند حدود المسموح به اجتماعيا، تسن التشريعات لحماية وحدة المجتمع وسلامته، وتجرم كل من ينال من قيمه ومعتقداته وأشخاصه، فالمجتمعات الحديثة لا يمكن أن تكون طبقة واحدة لا يختلف بعضها عن بعض، بل إن الاختلاف طبيعة ثابتة في أحوال الناس، وهي سنة من سنن الله وضرورة حتمية في بعض الأحيان، ولا بد من الاختلاف في الأفكار والألوان والأغراض، والناس لا يجمعون على حق ولا يجمعون على باطل، ولا تزال وجهات النظر تختلف والآراء تتباين، وهذا لا ينفي المشتركات الأخرى والروابط الكبيرة التي تجمع الناس وتضمن حدا أدنى من التعايش السلمي بينهم.

إن السلم الاجتماعي والوئام الذي ينشده كل مخلص لوطنه وكل من يحترم من يشاركه الوطن ويعيش معه، يحتم علينا أسئلة في غاية الأهمية، أولها: هل نستطيع أن نلغي الفوارق الثقافية والمذهبية التي يعيشها المجتمع بكل مكوناته، وأن نمحوها من حياتنا مهما كان نوع هذه الفوارق ومسبباتها؟ وهل ممكن حمل الناس على رأي واحد لا يختلفون حوله؟ الجواب البدهي أننا لا نستطيع ذلك، وأن التماثل في كل الأمور مستحيل، حتى بين العدد القليل من البشر، دعك من المجتمعات الكبيرة التي تحويها الدولة الواحدة في هذا العصر.

وإذا كان الاختلاف لا بد منه، فما هو البديل؟ البديل في هذه الحال أن نحترم آراء الآخرين وأفكارهم وتقاليد حياتهم وثقافتهم، وأن نعد الاختلاف في هذه الأمور اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد.

إن التسامح وتقبل ما لدى الآخرين من قيم ومعارف لم يعد خلقا ندعو إليه، وليس فضيلة متروكة للخيار، لكنه أصبح أمرا ملزما لكل أبناء الوطن الذين يريدون العيش فيه بسلام واستقرار. واللغة المستفزة التي يستعملها بعضنا في خطابه ضد الآخر لا تخدم أحدا، ويجب أن نردها ولا نقبل التعامل بها، مهما كان موقع قائلها أو مكانته.