ياسر عمر سندي

في برجهم النعاجي

الأربعاء - 17 يوليو 2019

Wed - 17 Jul 2019

من المفاهيم الإدارية التي يتبناها بعض التنفيذيين، خاصة في المستويات الوسطى والعليا بالمنظمات، سواء الخاصة العائلية في نظامها التملكي أو الربحية في نظام مجلسها الانتخابي أو في بعض المنظمات العامة والمختلطة التي تقدم منتجها الخدماتي، أنهم لا ينفكون يطلقون شعارات «سياسة الباب المفتوح»، والتي لا تتعدى حناجرهم، بل وأكاد أجزم أن في سيكولوجية بعضهم الانسحابية تحفظ شديد وتقوقع منغلق مبالغ فيه، لدرجة أن منهم من يطالب بعد تعيينه في منصبه أن يكون له مدخل خاص ومصعد مستقل لا يرى أحدا ولا يراه أحد من الموظفين.

والأدهى من ذلك والأمر أن يقوم مديرو مكاتبهم أو السكرتارية لديهم بفرض الحظر وضرب طوق من السياج البروتوكولي لمنع الدخول على أبراجهم، فيتقمصون دور الحاجب ويشبعون الأنا السلبي في دواخلهم، بطرح إسقاطات التعجرف والتملق واللا مبالاة، ويصنعون هالة تنظيمية وفقاعة إدارية يوهمون بها من أراد مقابلة ذلك التنفيذي أن بيدهم العصا السحرية ويمتلكون الحل والعقد، ليتجرؤوا على الموظفين ممن لديهم شكاوى أو تظلمات أو أفكار يرغبون في تقديمها ومناقشتها، فيبدأ حارس البرج برسم خط الدفاع الأول والتصدي بكل ما أوتي من قوة بعرض قائمة من الأعذار الزائفة، من أن صاحب القرار مشغول أو في اجتماع أو أن معه مكالمة، وغيرها من القائمة التي يحفظها معظم المراجعين ومن أرادوا مقابلة أحد التنفيذيين، علما أن كثيرا ممن يترأسون مجالس إدارات المنظمات على دراية تامة بما يجري من قِبل التنفيذيين خلف أبواب مكاتبهم وخارج أبراجهم، ويوقنون سلفا بأن المتحدثين الرسميين لهم لا يؤمنون بسياسة الباب المفتوح قطعا. حتى ظننت يوما أن سبب إغلاق الأبواب خوفهم من أن يصاب رؤساؤهم بالبرد أو الزكام، وما إلى ذلك من الأمراض التي قد تسببها هذه السياسة جراء تيار الهواء السلبي المحمل بالشكاوى والتظلمات وغيرها من الفايروسات، وعلى مقولة المثل الشعبي الدارج «الباب اللي يجيك منه الريح سده واستريح». وهل في ذلك راحة؟ أتساءل وأتعجب من تصرفاتهم؟!

من وجهة نظري السلوكية أرى أن ذلك الشعور الذي ينتابهم وينعكس على سلوكهم المضاد مجتمعيا من خلال النظرية النفسية التي أسميتها بـ «حظائر النعاج»، والتي تطلق على الشخصيات التي تتهرب وتفضل العزلة وتخشى الآخرين.

في السابق وأثناء استكمالي لمرحلة الدراسات العليا وإجراء البحوث الميدانية، كنت ممن كتب الله عليهم رؤية بعض أبواب التنفيذيين المغلقة التي تعرفت على أشكالها وألوانها ومقابضها المتعددة، وكثيرا ما استمعت لمعاناة الموظفين القابعين خارجها وسجلت ملاحظاتي لقياس رضا الموظفين وسلوك تجاهل التنفيذيين، وخالجني شعور الباحث بتساؤلاته المتكررة. هل حقا هم مسؤولون أمام الله قبل أن يكونوا مسؤولين على مكاتبهم؟ ألم يكونوا يوما موظفين بسطاء ولهم حاجات ومظلمات أو على الأقل يرغبون في مد جسور الألفة مع رؤسائهم؟

بلا شك مروا بتلك الأيام وعاشوا ذلك الشعور، ومنهم من عانى وضاق ذرعا، ومنهم من سلك سبيله للبرج عجبا، فالأولى عند وصولهم إلى هذه المناصب الرفيعة أن يشكروا الله على فضله ونعمته، خاصة أن البعض لم يدر بخلده يوما أو حتى لاح في خاطره وأحلامه أن يتقلد هذه المناصب.

أين الإحساس بمن كنتم يوما أمثالهم لتحسين أوضاع من عاشوا يوما أدواركم، ليس هنالك عذر قانوني أو إداري يسمح بإغلاق الأبواب وإهمال الاستماع لمصالح الموظفين بحجة الانشغال بالأعمال اليومية والروتين. فأنتم لستم بأفضل حالا من خير البرية عليه الصلاة والسلام في قمة انشغاله ودعوته عندما عاتبه ربه قائلا «عبس وتولى1 أن جاءه الأعمى2» سورة عبس، ليشعر نبيه بأن صاحبه كفيف البصر ولكن يملك البصيرة ويتألم مشاعريا من ردة السلوك الإيمائي بالعبوس واللا مبالاة، فما بالكم بسلوك التجاهل وإغلاق الأبواب في وجوه أصحاب المسائل والحاجات من الموظفين.

هنالك حلول وأساليب أيها التنفيذيون، يمكنكم إيجادها وجعلها عادة معممة وسنة حسنة بتضمين بند مقابلة الموظفين بجداول أعمالكم اليومية كأولوية، باعتبارهم رؤوس أموال بشرية ومعرفية جديرة بالحرص والاستبقاء، ليستشعر كل تنفيذي أن ما يبقيهم على مقاعدهم وفي مناصبهم هي جهود موظفيكم وليست جهودكم، فالمنصب تكليف وليس تشريفا.

YOS123Omar@