معتز محمد مطر

إجراءات تحريك الدعوى الجنائية بقضايا التحرش

السبت - 06 يوليو 2019

Sat - 06 Jul 2019

يعد نظام «مكافحة التحرش» من الأنظمة الحديثة التي صدرت مؤخرا بتوجيهات الأمر السامي رقم (906) وتاريخ 1 /09 /1440هـ، لتحقيق أعلى معايير الأمن الهادف إلى حفظ حريات الأشخاص، خاصة النساء، حيث استُهل بإيضاح الأفعال المجرمة وفق ما نصت عليه المادة الأولى من ذات النظام، وهي «كل قول أو فعل أو إشارة ذات مدلول جنسي تصدر من شخص تجاه أي شخص آخر تمس جسده أو عرضه أو تخدش حياءه بأي وسيلة كانت بما في ذلك وسائل التقنية الحديثة..»، ومما يهدف إليه هذا النظام حماية خصوصية المواطن وكرامته وعرضه، وفقا لما تقتضيه الأنظمة والقوانين المستمدة من الشريعة الإسلامية.

وقد حدد المنظم السعودي عقوبات في الحقين العام والخاص، فأما الحق العام فقد أشير إليه بما ورد بالمادة (السادسة/1) من نظام مكافحة التحرش والتي نصت على ما يلي «يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة مالية لا تزيد على مائة ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من ارتكب جريمة تحرش»، ومما لا يخفى علمه أن مثل هذه الأنظمة سوف تكون كفيلة بردع كل من تسول له نفسه ارتكاب مثل هذه الجرائم، الأمر الذي سيؤدي حتما إلى منع انتشار مثل هذه الظاهرة.

ومما يزيد هذا النظام قوة وموضوعية انسجام أهدافه مع ما جاء في الأثر المعروف عن كل من الخليفة الراشد عثمان بن عفان والخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - ونصه «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، فمن حيث المبدأ والنتائج نجد أن هناك توافقا تاما بينهما يهدف إلى حفظ حقوق وحريات جميع طوائف المجتمع، إلا أن مثل هذه الأنظمة تحتاج دائما إلى دراسة وتحديث بشكل مستمر، وفق ما يطرأ من مستجدات وبما لا يتعارض مع تعاليم وضوابط الشريعة الإسلامية.

وبما أن حق التقاضي وتحريك مثل هذه القضايا الجنائية مكفول لكل مواطن أو مقيم وفق ما نصت عليه المادة (47) من نظام الحكم الأساسي، فإن إجراءاتها تكون وفق آلية سهلة وميسرة للجميع، تبدأ من ادعاء المجني عليه أو من يمثله بتقديم بلاغه لجهة الاختصاص «السلطة التنفيذية»، والتي تستقبل بدورها وتسجل البلاغ في سرية تامة، تُحفظ بها كامل خصوصيات المجني عليه، ومن ثم تجري إحالتها للنيابة العامة التي تتولى استكمال التحقيقات وتحرير لائحة الاتهام بحق الجاني، وفقا لما تتوصل إليه من أدلة إدانة تؤكد تورط المذكور فيما نسب إليه، ثم تحال كامل أوراق القضية مشفوعة بلائحة الدعوى العامة إلى القضاء الجزائي ليتم الفصل بها شرعا ونظاما في الحقين العام والخاص، وفقا لما ورد من مواد بنظام مكافحة التحرش.

ومن خلال مباشرتنا كمهنيين لبعض تلك القضايا فقد لمسنا أن النظام لا يزال حديثا، وأن بعض الجهات، سواء عامة أو خاصة، لا زالت تحتاج إلى مزيد من الوعي القانوني لتفعيل النظام، فبعضها لا يقوم بتطبيقه بشكل متكامل وصحيح ليكون منتجا للأهداف المنشودة من تقنينه، الأمر الذي يستدعي قيام الجهات المختصة بإصدار قرار أو تعميم مشدد يوجه لجميع تلك القطاعات بعدم التهاون في تطبيق هذا النظام، مع الحرص على وضع التدابير اللازمة للوقاية من التحرش داخل بيئة العمل

، والتأكيد على المسؤولين بالإدارات القانونية الخاصة بتلك الجهات على تحمل مسؤوليتهم في سرعة تلقي الشكاوى والإبلاغ عنها في حينها، وفقا لما نصت عليه المادة (الخامسة/2) من نظام مكافحة التحرش، والتي نصت على ما يلي «يجب على الجهات المعنية في القطاع الحكومي والقطاع الأهلي مساءلة أي من منسوبيها - تأديبيا - في حالة مخالفته أيا من الأحكام المنصوص عليها في هذا النظام، وذلك وفقا للإجراءات المتبعة..»، والمادة (الثالثة/2) أيضا من النظام نفسه.

ومما يساعد على تفعيل نظام مكافحة التحرش إعادة تقنين وتأهيل المادة (الثمانون/3) من نظام العمل، والتي تتعلق بالسلوك والمادة (الثانية عشرة) أيضا من نظام الخدمة المدنية، وقواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة، لتتم دراسة المواد السابقة بما لا يتعارض مع منطوق المادة (الخامسة/2/د) من مكافحة التحرش، وذلك لأهميتها، حيث قد جعلها المنظم السعودي عقوبة مغلظة في حال ارتكبت بمقر العمل، وهو ما أشير إليه بالمادة (السادسة/2) من نظام مكافحة التحرش التي نصت على ما يلي «السجن لمدة لا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة مالية لا تزيد على ثلاثمائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين..»، والتي اعتبرها المنظم من الجرائم الموجبة للتوقيف استنادا للفقرة (3) من قرار وزير الداخلية رقم 2000.

ومما تجدر الإشارة إليه أن إعادة دراسة وتقنين مثل هذه المواد يتوافق مع ما ورد بالمادة (28) من نظام الحكم الأساسي، والتي نصت على ما يلي «تيسر الدولة مجالات العمل لكل قادر عليه وتسن الأنظمة التي تحمي العامل وصاحب العمل..»، كما يتوافق أيضا مع ما نصت عليه المادة (38) من النظام نفسه، مما سيترتب عليه تضييق سعة الاجتهاد في فهم وتفسير مواد الأنظمة، وهذا يجعلها أكثر وضوحا، ويؤدي إلى تفعيل نظام التحرش بالشكل الصحيح الذي سُن من أجله.

[email protected]