محمد الحربي

القيادة السامة!

الاثنين - 01 يوليو 2019

Mon - 01 Jul 2019

ينظر إلى القيادة على أنها القدرة على التأثير في سلوك الآخرين، لكن هذا التأثير قد لا يكون إيجابيا في جميع الظروف، مما يؤكد الحاجة الملحة لاتجاهات قيادية مختلفة ترسخ ثقافة القيادة الإيجابية، في مقابل ما بات يعرف بالقيادة السامة Toxic Leadership.

قد يستغرب البعض من أن هذا النوع من القيادة غير الإيجابية يمارس في بيئة العمل، ويتم من خلاله إيذاء العاملين نفسيا ووظيفيا بكل براعة واقتدار!

في مقالة نشرت عام 2016 بمجلة psychology today، تؤكد Jean Kim أن القائد السام يبادر إلى استغلال السلطة واستخدام القوة لمجرد شعوره بالسيطرة، خدمة لأهدافه الخاصة بشكل يؤدي إلى شعور العاملين بالتوتر والألم والغضب، ويمكن أن يؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى إصابتهم بأمراض نفسية كالاكتئاب والقلق.

كما تحذر الكاتبة من أن هناك سمات وسلوكيات عدة يتصف بها القائد السام، تسهم بشكل كبير في خلق بيئة عمل غير إيجابية، قد تجعل من رئيسك في العمل خطرا على صحتك العقلية، ولعل من هذه السمات والسلوكيات ما يلي:

1. عدم الاستماع للآخرين وتقبل آرائهم، والإصرار على تنفيذ أفكاره وقراراته التي تخدم مصالحه الشخصية.

2. النرجسية والإفراط في الترويج لنفسه خدمة لتقدمه الذاتي على حساب أهداف المنظمة واحتياجات العاملين.

3. الخداع وتجاوز الأنظمة والتعليمات المحددة وتغييرها، واتخاذ قرارات فردية دون مناقشتها مع المعنيين بهذه القرارات والمستفيدين منها.

4. الافتقار إلى الفلسفة الأخلاقية التي يمكن أن توجه قراراته وتسهم في تحديد أولويات العمل والاهتمام بقيم ومبادئ العدالة والسلوك المنصف والتعاطف والإنسانية، وتقديمها على الأولويات الأخرى كتحقيق الأرباح، أو الشهرة والمنصب والسلطة.

5. اللا مبالاة وتجاهل مكافأة العاملين المتميزين، وتعمد حماية العاملين المسيئين ودعمهم ومكافأتهم وعدم مساءلتهم.

6. عدم الاهتمام بتحسين أداء العاملين وتطوير نموهم المهني وفقا لاحتياجات المنظمة واحتياجاتهم المستقبلية.

7. حبه للإطراء وتمجيد أعماله ومنجزاته مهما كانت بسيطة، وهي مهمة تتولاها مجموعة صغيرة من الموظفين يحيطون بالقائد السام، يجيبونه دائما بعبارة «كله تمام».

8. مضايقة الآخرين، والإساءة لهم وتهميشهم واستخدام أساليب التهديد أو الإكراه، خاصة ممن يقفون في الجانب الآخر ولا يحبذون الإفراط في الإطراء والمجاملة دون وجه حق.

بشكل عام، إن ممارسات القيادة السامة يمكن ملاحظتها بشكل كبير في بيئات العمل الفوضوية التي تتجاهل تطبيق الأنظمة واللوائح والقوانين ذات العلاقة بالمساءلة والمحاسبة، أو تلك التي لا تطبق معايير ومؤشرات لقياس الأداء وتقييم القيادات والعاملين، مما يمكن أن يسهم في تسميم بيئة العمل وانخفاض الروح المعنوية وتفشي الفساد والمحسوبية والصراع التنظيمي واستياء العاملين وعزوفهم عن المشاركة في خطط المنظمة وصناعة قراراتها، وعدم الشعور بالرضا والأمن الوظيفي، وانعكاس كل ذلك على سمعة المنظمة وصورتها الذهنية لدى مستفيديها في الداخل والخارج.

ويقترح لمواجهة تبعات الممارسات غير الإيجابية للقيادة السامة، اختيار القيادات المؤهلة خُلقيا في المقام الأول، دون أية اعتبارات أخرى كالمجاملة والمحسوبية، ممن يتصفون بمبادئ وقيم إيجابية يتعاملون بها مع منسوبيهم إنسانيا ومهنيا، ويتيحون لهم فرصة المشاركة في صناعة القرارات ويقدمون مصالح المنظمة ومستفيديها قبل مصالحهم الشخصية مهما تقاطعت مع المصالح الأخرى.

لكن ماذا عن الأشخاص الذين يعملون مع القيادات السامة؟ هؤلاء المبتلون يوصي الخبراء بأن عليهم محاولة التأقلم مع بيئة عملهم، أو الانتقال إلى بيئة عمل أفضل، وبالنسبة لأولئك الذين لا يستطيعون ذلك يمكنهم التواصل المباشر مع رؤسائهم للاستماع إليهم ومناقشة مصالحهم ومصالح المنظمة، والاستفادة من نصائح ومقترحات ذوي الخبرة ممن يتصفون بالحكمة والقدرة على التعامل مع القيادات السامة.