محمد أحمد بابا

الطاقة العطسية

الاحد - 09 يونيو 2019

Sun - 09 Jun 2019

لعل من الغريب أن مصدر الطاقة الذي ابتلي الإنسان بالبحث عنه موجود داخله إن لم يكن هو ذاته طاقة لتحريك كل ما تراه عينه أو تلمسه حواسه، فالإنسان هو القائد والهادي للعجماوات من المخلوقات، وهو الرافع للأثقال، وهو الحافر بجهده وتعبه في الأرض باحثا عن ماء يشربه، وهو القابض بيديه على الزرع ليحصده والثمار ليقتطفها والقلم ليكتب به.

غير أن هذه الطاقة المعنوية في فهمها والحسية في نتائجها لا تشبه ما تحدثه الكهرباء في المولدات وما يفعله الوقود في المحركات، ورغم إثبات الكيميائيين أن أحماض المعدة وأنزيماتها قادرة على تفتيت أقسى وأصلب المواد بمهنية عالية، إلا أن هذه الطاقة الإلهية بقيت داخل الأجسام وهي حية دون أن أسمع ـ أنا على الأقل ـ باستخدامها أو ما يماثلها في ميدان مختلف.

ولي أن أسمح لنفسي بخيال جديد ـ بالنسبة لي، عندما عطست وحمدت الله على ذلك رحت أفكر في هذا الارتجاج وما يصاحبه من قوة يتساوى فيها ضعيف البنية وقويها في تلك الثانية أو الجزء منها، لأتذكر رسالة بريد الكترونية وصلتني من أحدهم تتحدث عن عطسة الإنسان وأن سرعتها تتجاوز عشرات الكيلو مترات في الساعة، ليسوقني فضولي للبحث هنا وهناك، وأطلع على تقديرات متفاوتة في عطسة بني آدم أوصلها بعضهم إلى 300 كلم في الساعة مثل سرعة قطار اليوم.

هذا الخيال أقحمني في أجواء الطرد المركزي الذي يستخدم في تخصيب «اليورانيوم» لإعداد طاقة نووية سلمية أو تخريبية، وما يقتضيه ذلك من طاقة أخرى سابقة تعين على استخراج مكنون هذا المعدن المهم، فكيف لم يخطر ببال الإيرانيين ولا الكوريين الشماليين أنهم إذا استثمروا العطسات المجانية من شعوبهم ومواطنيهم في توفير وتخزين طاقة مهمتها الأولى طرد ملايين الجراثيم والبكتريا من جسم الإنسان، وهي بالتالي ـ بعد إجراء تعديلات وتحسينات عليها وتجهيزها لتتعامل مع اختراعات الإنسان اللامتناهية ـ ستكون لهم بمثابة الخروج من أي حظر لاستيراد أدوات ومواد من دول تعاديهم وتخشى نواياهم.

ويمكن لتلك العطسة الصادرة من الشرق أو الجنوب أن تعكر مزاج وكالة الطاقة الذرية والنووية كلما اشتد الأمر في بلاد الفرس المشهورين بطول الأنوف واتساع فتحاتها وبلاد «الكونج فو» الشهيرين بانبطاح الأنوف وضيق مخارجها، لكن العطسة لا تتأثر بضيق المدخل أو اتساع المخرج فهي طاقة إنسانية طبيعية يملكها طفل أو مسن، ولجان التفتيش الدولية لا أظنها قادرة على الكشف بصورة دورية على أنوف ملايين الكوريين والإيرانيين.

وإذا استمر مسلسل الأحداث على هذا النسق فإن خشية الإنسان من عطسة من جاوره أو كان بقربه ستزول تدريجيا، لأن الطاقة ليست مجانا، ومن يطلقها في الهواء سفيه تصرف، وسيكون للعطسة قيمة عند كل الأطباء، ليختلف أخذ الطاقة المبتكرة هذه من عطسة إنسان في الأحوال العادية وعطسة آخر نتيجة مرض ألم به، لكن المؤدى واحد، فالعطسة الصحيحة لها من القيمة والاعتبار والتصنيف أعلى مما هو للعطسة المريضة المتكررة.

وربما نبحث في عطسات الحيوانات لتكون تلك طاقة أخف من الطاقة المستخرجة من عطسة الإنسان ويستخدمها الناس في عام 2100م لشحن الأجهزة الذكية المزروعة داخل عيونهم دون خشية من صعق كهربائي، وربما إجراء أبحاث ودراسات حول إنشاء بنوك للعطسات أمر وارد وحيوي في إنقاذ شعوب أصابها شح كبير جراء سرقة دول مجاورة لأشهر العاطسين فيهم وبيعهم في بورصة موزنبيق.

وطالما أن للعطسة هذه القدرة الهائلة على الانطلاق بسرعة، فلن يكون غريبا أن يطلب الزميل من زميله عطسة من باب الكرم لإنقاذ سيارته المتعطلة على جانب الطريق، ولن يكون عجيبا أن يخرج لك أحدهم رأسه من نافذة سيارته ويعطس عطسة توصلك إلى عملك في لمح البصر، وسيجنح العدائيون والأشرار لاستخدام الطاقة في العطسات للتخلص من أعدائهم ومحاربيهم دونما أية مساءلة قانونية ما لم يتنبه أهل القانون ويفردوا بابا في دستورهم يتعلق بـ «العطاس الوطني».

وسيندم من عطس في بيته لأنه ضيع على نفسه مردودا ماليا بالإسراف في العطسات غير المحسوبة، وسيندم كذلك المتأدبون الذين يكتمون عطساتهم خوفا من إيذاء الآخرين، ويتمنون تأجير أنوفهم لشركات تستثمرها على المدى الطويل.

فإن قيل: وعطاس المرضى؟ قلت: يمكن لوزارة الصحة تنقيته وبيعه كطاقة بديلة لذوي الدخل المحدود بسعر التكلفة، فالمهم ألا تذهب الطاقات سدى.

albabamohamad@