حسن علي القحطاني

كل عيد وأنتم بخير

السبت - 01 يونيو 2019

Sat - 01 Jun 2019

العيد يوم السلام، وما طاب من الكلام، يوم الوفاء والإخاء، وقول الإنسان للإنسان: (وأنتم بخير)، يوم يفرضه الدين على الناس ليكون لهم بين الحين والحين، يوم طبيعي في هذه الحياة التي انتقلت من طبيعتها، يوم الزينة التي يراد من إظهار أثرها إشعار الكل بأن الوجه الإنساني جديد في هذا اليوم، وأن العيد هو يوم الحب والوئام للناس جميعا.

يوم العيد هو يوم فرض الزمن القصير الجميل الباسم على الزمن الرتيب المهيمن على حياتنا، فعموم الناس يرفعون صوتهم بالدعاء والتهنئة، في مشهد ينتصر على كل منازعات الحياة.

يوم العيد يولد في العين نظرة الرضا عن النفس، ونظرة تبعث الاعتزاز بالأهل، ونظرة تدرك جمال الدار، ونظرة تقوي أواصر الإخاء بين الأقرباء، ونظرة ترمم روابط الصداقة مع الناس، ومن كل هذه النظرات تنبثق النظرة الأجمل للحياة والناس والوطن.

في العيد يكون الأطفال هم الأسعد، فهم لا يعرفون للزمن قياسا إلا بالسرور، هذه الوجوه النضرة التي كبرت فيها ابتسامات الرضع فصارت ضحكات، وهذه العيون الحالمة التي أذا بكت صبت دموعا لا يطاق أمامها صبر، وهذه الأفواه الصغيرة التي تنطق بأصوات لا تزال فيها نبرات الحنان، هؤلاء الأطفال المجتمعون في ثيابهم الجديدة يقدمون أنفسهم للعالم كقلوب جديدة على الدنيا وما فيها، قانعين مكتفين بالتمرة، ولا يفكرون في سر النخلة التي تحملها، فالعبرة عندهم بروح النعمة لا بمقدارها، فالأشياء الكثيرة لا تكثر إلا في النفس المطمئنة.

ما أشد حاجتنا نحن الكبار لفهم أعيادنا فهما جديدا نتلقاها به ونأخذها إليه، يجدد في نفوسنا معانيه، فالعيد هو المعنى الذي يكون في اليوم، لا اليوم المحدد نفسه، هذا المعنى الذي تتجلى فيه أسمى صفات الذات وتتقلد أنبل معانيه، فيولد فينا القوة على تغيير الأيام، لا الشعور بأن الأيام تتغير فقط، وعندها يكون العيد للأمة يوما تعرض فيه جمال نظامها الاجتماعي، فيتحد الشعور الواحد في نفوس الجميع والكلمة الواحدة على ذات الألسنة، عندها تتسع أفق العيد ويمتد، ويتحقق العيد بمعناه العملي، ويهدي الناس بعضهم إلى بعض هدايا القلوب المخلصة المحبة، وتنطلق روح الأسرة الواحدة في المجتمع كله.

العيد هو التقاء الكبار والصغار في معنى الفرح بالحياة الناجحة المتقدمة، يلتقون في صياغة المعاني التي فرغت من معانيها، ويتحدون في السماح للصفات الإنسانية للتحالف من أجل تجديد ما بدد أحلام السعادة منهم، من أجل هذه المعاني القوية فرض العيد علينا ليثير كوامن النشاط فينا، ويحقق للمجتمع أهدافه، ويجمع الأمة على ما تقتضيه مصالحها وما يصلح من شأنها.

أخيرا، في عيد فطر عام 1440 تجتمع لدي فرحتان، الأولى ما أشارككم فيه من فرحة إتمام صيام رمضان، راجيا من الله القبول لي ولكم، والثانية تمام العام الأول لي كأحد كتاب الرأي في صحيفة مكة، فكل عام وأنتم وكل منسوبي هذا الصرح الإعلامي المتميز بصحة وسلام دائم.