منيرة عبدالله الشملان

اقتصاديات السلام

الخميس - 16 مايو 2019

Thu - 16 May 2019

في شهر الرحمة والخير نعد نعم الله وبركاته علينا ولا نحصيها، كل التحولات الإيجابية في الحياة التي كنا نحلم بها قبل 2015 حتى الآن كانت أشياء بسيطة، في نهاية الأسبوع أين نذهب إلى غير المطاعم هذا المساء؟ وفي 2019 أصبحنا نحار أين نذهب في المساء في الأيام العادية! بين عروض مسرحية راقية وحفلات بين المواسم التي لا تنتهي حول المملكة طوال العام. وأصبحنا نجد شعبا طبيعيا يحب الحياة وله اهتمامات فنية وثقافية وحضارية وتاريخية متنوعة لكل الأعمار.

قبل 2015 كان التركيز على (GDP) إجمالي الناتج المحلي وهو قوي (اللهم بارك)، وهو مؤشر لقياس المستوى المعيشي للفرد داخل الدولة، ويتفاوت في طريقة قياسه من متوسط دخل الفرد، وهي طريقة غير دقيقة، حيث تتأثر بالخلط بحسابها بين دخل الأثرياء والفقراء حتى لو تم تغيير احتسابها بالإنفاق عوضا عن احتسابها بالدخل.

كانت بوابة السعادة هي بوابة الطائرة فقط، نؤمن أن (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) كحقيقة بمنظورنا الإسلامي إلا أنه لا شيء يشتري السعادة، ولا يمكن للنمو الاقتصادي تحقيقها إلا بحماية الطبقة المتوسطة ورفع مستوى الطبقة الفقيرة، فيزيد الرضا بين السكان، هذا ما قام به السعي لرؤية 2030 التي انبثق منها برنامج جودة الحياة 2020 لتحسين نمط حياة الفرد والأسرة، وبناء مجتمع ينعم أفراده بأسلوب حياة متوازن، وتهيئة البيئة اللازمة لدعم واستحداث خيارات جديدة تعزز المشاركة في الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية. ووجدنا توليدا حقيقيا للعديد من الوظائف الجديدة نوعا وكما، وبعضها موسمي، حتى تصل مدن سعودية إلى قائمة أفضل المدن للعيش في العالم، ويمكننا ذلك في القريب العاجل.

تحولنا بفضل الله ثم جهود جميع العاملين عليها من GDP إلى GNH (Gross National Happiness) أي نمو اقتصاديات السعادة، وهو علم اقتصادي لدراسة كمية السعادة، لقياس التقدم في بلد ما، وهو عادة ما يجمع بين الاقتصاد والمجالات الأخرى، ويمكننا أن نعرف مباشرة ما هي العوامل التي تسهم في السعادة، كالرفاهية ونوعية الحياة والصحة الروحية (الدينية) والنفسية والبدنية والاجتماعية والبيئية، وتقدير التأثير الإيجابي والسلبي لها، وربط تلك النتائج مع الخصائص الاقتصادية والاجتماعية والشخصية والسلوك.

أصبحنا نحار من كثرة الفعاليات والمهرجانات والدورات والمعارض الترفيهية والفنية، بعد أن كانت قمة الطموح معرض استهلاكي ممل، أصبح لدينا الآن طموح يعانق السماء، ويحق لنا الحلم بالتحول من اقتصاد السعادة (happiness economics) إلى اقتصاد السلام (peace economics)، وهو علم يركز على فوائد بناء المجتمعات والبعد عن الصراعات، بافتراض معرفة تكلفة العنف والحروب والطرق التي يمكن بها تجنب الصراع وإدارته وحله.

تلك التكلفة المادية يمكن قياسها، أما التكلفة على الصعيد الإنساني والحضاري التي لا تقدر بثمن لا يمكن قياسها، ولا يحسب الرابح فيها، بل من تكبد أكثر الخسائر؟ اقتصاديات السلام الإيجابية تضع مصفوفة لتقيم أسلم الخيارات عكس الرأسمالية الدموية التي تربط السلم بالكساد والشيوعية الغبية التي تكدس الأسلحة لتوهم الشعوب بالحرب.

بالتجربة أثبت الاقتصاد السعودي الوسطي وقت الأزمات النجاح وعدم التأثر بالأزمات الاقتصادية الدولية، كونه يسير بخطى اقتصادية إسلامية وسطية، تشهد عليها اقتصاديات دول اختارت السلام كسويسرا والدول الاسكندنافية، أو أجبرت عليه كألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية، فأصبح اقتصادها وبنيتها التحتية الأقوى لتركيزها على الصناعة.

وفي شهر الخير ندعو للخير، وخيركم من يبدأ بالسلام واقتصاديات السلام.