ياسر عمر سندي

المفروض والمرفوض

الخميس - 16 مايو 2019

Thu - 16 May 2019

كثيرا ما أتساجل مع ذاتي وأتحدث لنفسي وأحاورها شدا وجذبا لعلي أصل إلى إجابة شافية كافية، فمرة تقنعني وأخرى أحاججها، وتارة تغضبني وثانية أرضيها، ولا يزال الجدال الأزلي قائما بيني وبينها في كثير من المواضيع التي تطرأ على ذهني.

على العموم قررت أنا ونفسي إنشاء منطقة محايدة لتسوية النزاع المتبادل وتقديم ما يترك الأثر الإيجابي على نفسي ويضع البصمة الراقية جراء سلوكي، ويرضيني تجاه خالقي. ومن المواضيع الجدلية التي تنتابني ما هو المفروض وما هو المرفوض، وما الفرق بينهما؟ ومن سيتقدم ومن سيتأخر في تصرفاتي وتعاملاتي مع نفسي والغير؟ وما أضمره أيضا تجاه ذاتي والآخرين من قرابتي وأصدقائي وزملائي وجيراني من المجتمع والمحيطين والناس أجمعين؟

وتساؤلاتي التي تراودني، والتي تحتمل الاجتهادات العقلية في العلاقات المجتمعية والمستندة إلى ديننا الإسلامي الحنيف أساسا، هي هل أبدأ بالمفروض أم المرفوض؟ هل أبدأ بالواجب أولا أم من المستحسن ألا يتم أصلا؟ وهل أقدم الشرع على العرف أو العكس في بعض المواقف؟ وهل الأصول المجتمعية تنهار أمام الثوابت الشرعية؟ وهل المواقف الحياتية مسألة تقديرية تعتمد على الظروف المواتية لكل موقف فيتم التقديم والتأخير بين الفرض والرفض بناء على ذلك؟ وهل الماضي له تأثير في هذا التسابق عن الوضع الراهن أو إعمال فقه الحال والأخذ برأي فقه الواقع في

التعاملات الاجتماعية. على أية حال هذا الصراع المستدام أعتبره ظاهرة صحية تنعش الثقافة الذاتية وتثري النواحي المعرفية لتعزيز الخير العام وتأصيله في نفسي وفي الآخرين للنظر بأهمية الفرض وما الذي يحتمل الرفض والعكس صحيح.

المفروض من وجهة نظري هو الفعل أو ردة الفعل التي تتطلب بل تستوجب القيام بأمر ما تجاه الذات أو تجاه الغير، دينيا ودنيويا أو شرعيا وعرفيا، لإحداث أثر ما فعال، وأما المرفوض فهو كف النفس أو حبسها كليا أو جزئيا عن البذل من الأقوال والأفعال أو الإيماءات تجاه الذات أو الآخرين لترك بصمة مؤثرة.

أحيانا يتقدم المفروض على المرفوض بإبداء حسن الظن على المرفوض وهو سوء الظن، وتقديم الخير على الشر حيال الغير في النوايا، وأيضا تقديم النواحي الإنسانية على الشرعية، مثال على ذلك في حال وجود طبيب لديه عملية جراحية عاجلة فإن من المفروض إنسانيا إنقاذ النفس وإحياؤها من الهلاك، وقد تأخذ العملية ساعات طويلة تتخللها أوقات الصلوات، فمن المرفوض ترك المريض في تلك الأوقات الحرجة. والمفروض تأخير قضاء الصلوات لما بعد الانتهاء من العملية.

وفي العلاقات العائلية أيضا إذا تطاول الأخ على أخيه فمن المفروض الحلم عليه والتجاوز عنه والأفضل مسامحته من باب كسب الأجر وتأليف ذوي القربى، ذلك خير من مبادلته السيئة وإحداث فجوة أكبر في الخلاف والقطيعة وهذا المرفوض. ومع الجار وهو الموصى به من سيد البشر إذا أخطأ على جاره فمن المفروض نصحه وتحمله والدعاء له ومن المرفوض الرد على خطئه وجهله بالمثل.

أيضا هنالك حالات يتم تقديم المرفوض فيها على المفروض، وخير مثال ما فعله الرسول الكريم لكفار قريش أثناء فتح مكة بالعفو عنهم وتخلية سبيلهم بهدف تأليفهم. فهنا من المرفوض تركهم وإطلاقهم والمفروض مجازاتهم بجنس عملهم، وأيضا من المرفوض إطلاق سراح مذنب أخطأ في حق القانون، ولكن هناك حالات تتطلب بعد النظر في إصلاح ذلك الشخص بتأديبه وتكليفه بمشاركة مجتمعية مشروطة ليصبح عنصرا فعالا وهو المفروض، ومن المرفوض أيضا السكوت عن موظف أخفق في عمله والأولى تطبيق ما هو مفروض من أنظمة ولوائح قد تؤدي لفصله، فالأجدر النظر في روح القانون بتطوير الموظف ومعاقبته بما لا يضره وأسرته في مصدر رزقه.

المصطلحان يتسابقان فيما بينهما، بحسب الموقف وكيفية الحالة النفسية، والله سبحانه وتعالى الموفق إلى الخير بحسب النوايا والقلوب السليمة، قال تعالى «إلا من أتى الله بقلب سليمٍ» الشعراء 89.

Yos123Omar@