عبدالله محمد الشهراني

رسالة.. عام على فراقك يا أبي

الأربعاء - 01 مايو 2019

Wed - 01 May 2019

كلما رأيت صورك وتلفازك الذي أصبح يكسوه الغبار - لا أعلم هل ما زال يعمل أو لا - وذلك الكرسي الأخضر المريح، وبقايا صوتك الذي يتهادى فجأة، فتتسع أحداقنا ونتلفت يمينا ويسارا متعجبين وأيضا متلهفين. كل هذا وغيره يجعلني أسأل نفسي أسئلة عميقة، أسئلة وجودية فلسفية.. أحقيقي أنني لن أراك أبدا؟، هل غادرتنا للأبد؟، أسئلة صعبة ومعقدة تقابلها أجوبة بديهية لكنها تدمي القلب وتدمع العيون.

عام يا أبي! حُذِفت فيه من قاموسي كلمة أبي، لم تعد تنطق ولا ينادى بها، وأصبحت تُذكر متبوعة بعبارة «رحمه الله»، ماتت الكلمات، وهذه أول مرة أرى فيها الكلمات تموت. حتى الأماكن الجميلة أصبحت حزينة، غلبتني الدموع يا أبي قبل أسبوعين وأنا بجوار ذلك الكرسي في حديقة المركز الطبي (فتيحي)، في مقهى ريال مدريد في دبي (لما شفت نفسك عليا). لقد سكن العنكبوت صندوق الجريدة يا أبي ولم نجدد الاشتراك، فلا أحد منا يتصفح الأوراق حتى أمي التي كنت تقول عنها (أمك صارت فنانه في الجوال). لكن رفيقها وأنيسها وونيسها قد رحل، والوحدة قاسية رغم الأبناء والأحفاد والمحبين حولها.

كم كنت أتمنى يا أبي.. أن تشاهد حلقة تطهير الحرم من جهيمان وجماعته في مسلسل العاصوف هذا العام، لا أنسى تلك القصص التي ذكرتها لي عن تلك الفترة، وما زلت أضحك كلما تذكرت قصتك الطريفة أثناء عمليات التطهير. سوف أشاهد الحلقة هذا العام، وسوف تظهر لقطات لن أعرف معناها فلقد مات المرجع وغاب الشارح والدليل.

أبي إن غيابك أحدث فراغا ليس بالبسيط، لا يمكن لأحد أن يملأه، ولا أقول ذلك اعتراضا على قضاء الله وقدره، فلا زلت أتذكر كلماتك بالنص: «يا عُبد ... عاشر من تعاشر، لا بد من الفراق، هذه سنة الحياة». الحق أنني أعي تماما ما قلته يا أبي، لكن الفقد كبير، كبير جدا .. فأنا لا أبالغ، إن علاقة الابن - وهو يقترب من الأربعين - بأبيه ليست كعلاقته به فترة المراهقة، لقد حدث الفقد عندما قويت العلاقة وتقاسمنا الشعر الأبيض، عندما أصبحت لنا لغة مشتركة، عندما صرت أبا مثلك وفهمت الأبوة ومعنى كلمة أب.

أبي... سوف أكون كما كنت تريدني أن أكون بمشيئة الله، وسوف تجدني على الوعد وفيا للعهد، الأم في العين والأحباب في القلب.

وحشتني ورب الكعبة... ابنك عُبد.

وحشتني ورب الكعبة... ابنك عُبد.

ALSHAHRANI_1400@