عبدالله فهاد السبيعي

الاستثمار والسلوك والتنمية المستدامة

الجمعة - 29 مارس 2019

Fri - 29 Mar 2019

الاستثمار أحد أهم الموضوعات الاقتصادية التي تحظى بنقاش كبير وجدل واسع في تحديد مفاهيمه. ويعرف الاستثمار بأنه «التخلي عن أموال يمتلكها الفرد في لحظة زمنية، ولفترة من الزمن، بقصد الحصول على تدفقات مالية مستقبلية».

هناك اتجاهات لتعريف الاستثمار، منها: الاقتصاد يعتبر الاستثمار عبارة عن مصاريف فورية الهدف منها تعظيم الثروة على المدى البعيد.

أما الشركات فتشير إلى أنه يتم استخدام الاستثمار لزيادة الإنتاجية، من خلال الاستثمار في أجهزة إضافية، أو آلات أكثر كفاءة لتوفير الوقت، عبر الاستثمار في برامج التشغيل الآلي للمهام.

ومن وجهة نظر محاسبية يمثل الاستثمار اكتساب أو إنشاء سلعة دائمة تهدف إلى البقاء سنة واحدة في الشكل نفسه.

ويشتمل الاستثمار، بمعناه العام، على نوعين: الاستثمار الحقيقي والاستثمار المالي. في الاستثمار الحقيقي يقوم مفهوم الاستثمار، الحقيقي بمعناه أو الاقتصادي، على الاستثمار في الأصول الحقيقية مما يترتب عليه إيجاد منافع إضافية تزيد من ثروة المستثمر بما تقدمه من قيمة مضافة، ويعتبر الاستثمار حقيقيا أو اقتصاديا متى توفر للمستثمر حيازة أصل حقيقي كالأصول العقارية، والسلع، وغيرها.

أما الاستثمار المالي فيقصد به التوظيف في أصل من الأصول المالية، مثل الأسهم التي تعد صكوك ملكية لجزء من رأسمال الشركة التي تصدرها، أو السندات، وهي عبارة عن صكوك مديونية على الجهة التي تصدرها، أو الودائع البنكية.

كما يعتمد الاختيار بين الاستثمار الحقيقي والاستثمار المالي على سلوك المستثمر نفسه، ومن هنا نستشهد بموضوع الاقتصاد السلوكي (Behavioraleconomice) الذي استطاع وضع أسسه الاقتصادي «ريتشارد ثايلر»، ومن ثم فاز بجائزة نوبل للاقتصاد سنة 2017، لوضعه افتراضات واقعية نفسية في تحليل صنع القرار الاقتصادي، يكشف بها عن الكيفية التي تؤثر بها السمات الإنسانية على القرارات الفردية.

ثم ننتقل بعد ذلك للتعرف على مجموعة العوامل المحددة للاستثمار، منها الكفاية الحدية لرأس المال، والمقصود بها نسبة صافي العائد المتوقع من الاستثمار، فكلما ارتفعت هذه النسبة كان الاستثمار أكثر كفاءة في توليد الدخل، مما يشجع على زيادة الأموال المستثمرة، حيث إننا نجد أن هناك درجة من المخاطرة في ذلك، إذ إن العلاقة بينها وبين الاستثمار علاقة عكسية، بحيث كلما زادت درجة المخاطرة انخفضت كمية الاستثمار، أما عندما يحدث العكس، فيزيد حجم الاستثمار.

وهنا يجب أن نشير إلى أن جزءا كبيرا من تقلبات السوق يعتمد على العواطف والمشاعر البشرية، وليس فقط على الخصائص الأساسية للاستثمار، ومن هنا يأخذ التمويل والاستثمار السلوكي في الحسبان وجود هذه الحقيقة الراسخة التي تزعج جوهر إدارة الأصول بالتركيز على العوامل التي تحدد سلوك المستثمرين، واستخدامها لاتخاذ قرارات سليمة بهدف تنمية الاستثمار. ونذكر على سبيل المثال أن البحث عن الربح السهل والسريع يعد مثالا للسلوك الاستثماري الذي يتسم بالعقلانية المحدودة، وهو الذي يفضل الاستثمار المالي عن نظيره الحقيقي.

ومن التحيزات الانفعالية أو العاطفية والتشوهات السلوكية في ذلك الإطار، والتي لها تأثير كبير على الاستثمار: الثقة المفرطة، الاستقراء المفرط، التشاؤم، الترسيخ أو الارتكاز، المبالغة والإقلال من ردة الفعل، إضافة إلى نظرية القطيع.

وقد اهتمت قيادتنا الرشيدة بدعم الاستثمارات، بهدف تحقيق تنمية مستدامة، من خلال إنشاء «الهيئة العامة للاستثمار» التي تقدم خدمات استشارية للشركات، بقصد تذليل الصعاب أمام المستثمرين، وتقديم الحلول اللازمة لذلك.

كما تضمنت قوانين ولوائح «هيئة السوق المالية» بالمملكة بنودا عدة تتعلق بحقوق المستثمرين، وعمليات التداول داخل السوق، حيث أثمرت الجهود التي تقوم بها هيئة السوق المالية - من خلال تطوير لوائحها - تقدم ترتيب المملكة في مؤشر (حماية أقلية المستثمرين) من المرتبة 63 عام 2017 إلى المرتبة 10 عام 2018.

وقد سعت المملكة من خلال رؤيتها 2030 إلى اتخاذ خطوات مهمة عدة لتشجيع المستثمرين على الاستثمارات المالية، خاصة في الأسهم، فقد وضعت هيئة سوق الأسهم السعودية (تداول) نظام التداول الافتراضي، وذلك من خلال تحميل تطبيق مجاني لكل المستخدمين، حيث تم تصميم النظام كمنصة افتراضية تحاكي سوق الأسهم السعودية، بحيث يمكن للمستخدم من خلاله تداول الأوراق المالية كما يجري على أرض الواقع.

في الختام، وبعد عرض كل جوانب الموضوع، يبقى السؤال مطروحا: إلى أي مدى يمكننا أن نعتقد بعقلانية المستثمرين؟ وكيف يمكننا استخدام النظرية السلوكية لبناء وإدارة الاستثمارات؟

@Nam432