محمد أحمد بابا

تحويل المشاعر إلى أفكار

السبت - 23 مارس 2019

Sat - 23 Mar 2019

نظرية التحويل تتبعها فرضية التحول، ثم يأتي من بعد ذلك وقت فيه الناس يفككون ويبحثون ويجزئون حتى يفهموا، ثم يربطون وربما يحولون، فتتحول الأمور فيقررون حقيقة معينة، ثم إذا هم لذات ما كانوا فيه راجعون.

والمشاعر والشعور من جنس ما يختلط بالإنسان اعتراء ظاهرا وباطنا، واقتران التغيرات في البشرية أو في بعض ما يتكون منه المخلوق الحي أو غير الحي أيا كان بمزاج المشاعر ومناخات الإحساس أمر سلمت به العقول والدراسات إجمالا مع اختلاف توصيف أو نسب تأثير.

الفرد إذ يشعر بحزن أو فرح أو تنتابه موجة غضب أو نازلة إحباط أو تصيبه غراميات الحب أو يشكو جروح الفقد أو تشوهات الخيانة أو آلام الإساءة، ونحو ذلك فإنه باحث ولو في باطن ما يحدث به نفسه عن مخرج أو شهادة صدق أنه بخير.

قيل لي: إن تحويل الشعور إلى فكرة مسار خطير فيما ننتهج به نفسياتنا الآمنة، حيث إنه موصل غالبا للإحباط، لأن الفكرة تتولد منها أفكار في دوامة لا نهاية لها حتى يصبح الأمر تقصيا للحقيقة الكاملة والأسباب الفعلية والماهية الأصلية التي لن يحصل عليها أحد خليّ الذهن، فما بالك بصاحب شعور قاده للتفكير.

وقيل لي أيضا: إن الأسلم ترك المشاعر مشاعر كما هي استئناسا بأغنية شيرين الشهيرة (مشاعر) التي حيرتها فأيقنت بأنها ذاهبة حيث قادتها المشاعر مهما كانت، وذلك هو الأحوط بعيدا عن فلسفة تورث التبلد أو تنقلب يأسا وبؤسا.

قلت: إن في ذلك حق تصوير حين تكون المشاعر موصلة للتفكير في انفكاك عن أصل تأثيرها الإنساني، فالحب شعور، ومن جعله فكرة وغاص فيها ماديا ودراسة وبحثا ربما أخلفه ذلك برودة مشاعر يستعيذ منها كل إنسان، والبكاء علامة على مشاعر، ومن جعله فكرة وتصابر عنه وتصبر بأسلوب تفكير يقوده لأن يكون ذلك علامة ضعف ربما قسى قلبه.

لكن تحويل منتجات المشاعر إلى أفكار عملية تساعد في خلق مشاعر أخرى إيجابية في مناطحة السلبيات، أو سلبية في موازنة الإبجابيات، أعتقد أنه من أعمال العقول إن أحست بالخطر العاجل في مواجهة استقبال أخطار مستقبلية مرتقبة لما يحن أوانها.

ومن ذلك أن ينتج الشعور بالندم حاجة لإشباع من فائدة القرار السليم، فتنتول تلك الجزئية وهي (المشاعر الخاصة بالإشباع) إلى فكرة البحث عن حقيقة استكشاف القرارات السليمة وصناعتها وتنفيذها وتوقيتها وترقب نتائجها، وحتما ذلك سيولد شعورا إيجابيا بنسبة من الرضا كشعور يقلل من مخاطر الإصابة بالقنوط حين الشعور بالندم.

ولربما تحويل المشاعر إلى أفكار يبرع فيه من انتهى به الأمر إلى أن لا فرق بين إقدام وإحجام، فيحول الشعور بالإحباط لفكرة التخلص من الحياة - والعياذ بالله - فتصبح فكرة الانتحار في مجتمعات غربية وغيرها موتا رحيما عاجلا يتبع حرية شخصية لمن أراد ذلك، رغم عدم قناعتي الشخصية بذلك عطفا على إيماني بربي.

وكذلك قد يبدع في تحويل المشاعر إلى أفكار أولئك المرافقون أو المراقبون لمشاعر معينة في أناس معينين، فيقررون جعلهم عينة لدراساتهم يخرجون منها بأفكار علمية أو فلسفية نظرية تفيد العالم في جوانب حياتية.

وأظن أن الدافع لتحويل المشاعر إلى أفكار هو الرغبة في أخف الأضرار، مثل تخفيف سائل ذي حموضة بكثير من ماء يخفف ضرره أو لونه أو كثافته، وأما أن تتحول الأفكار إلى مشاعر معينة فتلك بيت قصيد ومفترق طرق وسلاح ذو ألف حد، كقيادة التابعين بعاطفة الشعبوية أو الأيديولوجية الغامضة دونما تفكير، وهذا منعرج ومرتقى صعب علي فهمه حتى اللحظة.

وإن قيل: فالدين فكرة تحولت إلى شعور بالله خوفا وطمعا، أو قيل: وجود الله فطرة وذاك شعور تحول إلى فكرة وهي الدين وتطبيقاته، قلت: أعتقد أن كلا الاتجاهين بداية ونهاية مؤديان لأمر منفصل عن صاحب التفكير وهو الإنسان، حيث هما موصلان لخالق ليس كمثله شيء، وعند ذاك ربما ينفك الربط وتختلف الأمور عن شعور من الإنسان تحول إلى فكرة مرتبطة به، عائدة بنتاجها عليه، ليكون الإنتاج والفرز والتحويل ثم التحويل والتكوين والتطبيق والاستخلاص والتقييم عملا إنسانيا بشريا خالصا، على خلاف فطرة ودين وقرآن منزل من ذي الإجلال والإكرام.

albabamohamad@