ناصر الهزاني

أغلقوا هواتفكم

الاثنين - 18 مارس 2019

Mon - 18 Mar 2019

قبل مدة أرسل بيل غيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت إحدى أكبر الشركات في العالم، إلى عدد من معارفه وأصدقائه وأقاربه وصحفيين هدية ربما لم يتوقعها بعضهم كانت عبارة عن بعض الكتب تحوي مذكرة بسيطة تقول إن غيتس اختار هذه الكتب لتكون مشروعه في الصيف، حيث سيعمل على قراءتها.

الكاتبة جيليان تيت، وهي إحدى اللاتي حصلن على تلك الهدية من غيتس تقول في مقال لها في صحيفة فايننشنال تايمز البريطانية «وددت لو أهتف قائلة: يا للروعة. ويرجع ذلك جزئيا إلى أنني مؤلفة ولي كتب منشورة، وبالتالي متحيزة تماما لمصلحة دعم صناعة الكتب. إن هذه الصناعة تحتاج إلى المساعدة في وقت يواصل فيه سعر الكتب الهبوط على المواقع الالكترونية، مثل أمازون».

وتصف هذه الكتب بأنها تولد شعورا جيدا عند قراءتها، حيث تدور حول التقدم والعبقرية التكنولوجية. كما أنها علامة واضحة على اتجاه أكبر معاكس للثقافة يجري تبنيه الآن على قدم وساق في عالم التكنولوجيا.

هدية غيتس تأتي في وقت يزداد فيه القلق جراء الاعتماد المتزايد نحو الانزلاق إلى عالم الفضاء الالكتروني، حيث أصبح لدى الناس هوس وإدمان بشكل كبير على استخدام الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية وغيرها من الأجهزة الرقمية التي حملتها متغيرات العصر الحديث.

إيفان ويليامز وهو أحد خبراء التكنولوجيا يقول لا أقدر القراءة من على الأجهزة اللوحية، كما أقدر القراءة في المكتبات.

رأي إيفان يوحي بأن بعض خبراء التكنولوجيا الكبار أنفسهم الذين ساعدوا على إيجاد هذا العالم الذي يبعث على التشتت الآن، بدؤوا يغيرون وجهتم ويشجعون الناس بشكل علني على اتباع نهج أكثر تأملا، من خلال الاهتمام بالبديل القائم على التواصل بين الناس، وإجراء المحادثات الطويلة والدخول إلى تجارب العالم الحقيقي الواقعي.

لكن السؤال الذي ربما يطرحه البعض لماذا اختار غيتس إهداء الكتب بالرغم من وجود عدة بدائل أخرى يستطيع من خلالها التواصل مع الجمهور وتبادل الآراء حول موضوع معين أو نقاش فكري يرغب بتناوله؟

لو كان غيتس يريد الدخول في نقاش حول موضوع معين لاقتصر على التغريد عبر منصة توتير ذات الانتشار الواسع، لكنه فضل طريقة أخرى يرى أهميتها، وذلك بإهداء مجموعة من الكتب الورقية التي تتطلب ساعات طويلة لقراءتها قراءة متأنية واستيعاب ما فيها، إذ ليس من السهل حملها كلها في آن واحد كما هو الحال مع الأجهزة الذكية.

لم يكن غيتس هو الوحيد الذي اتبع هذه الطريقة فقد أنشأ مارك زوكربيرغ، رئيس شركة فيس بوك، في العام الماضي ناديا غير رسمي مخصصا للكتاب والتشجيع عليه، حيث نشر مجموعة من الكتب المفضلة لديه للجمهور عبر الانترنت مثل كتاب «الإنسان العاقل» لمؤلفه يوفال هاراري وكتاب «المتفائل العقلاني» لمؤلفه مات ريدلي.

زوكربيرغ ومن خلال هذه الطريقة فإنه أراد إيصال رسالة تتفق مع هدف غيتس نحو أهمية الالتفات إلى الكتاب وقضاء وقت ممتع معه، حتى وإن تفاوتت درجة الاهتمام بينه وبين غيتس حول الكتب الورقية الحقيقية، إلا أن الرسالة بينهما واحدة: وهي أننا في عصر نحتاج فيه أكثر إلى أن نأخذ وقتنا من أجل التدبر والهدوء بعيدا عن التشتت في عصر التكنولوجيا المحموم.

عندما عقدت شركة قوقل مؤتمرها «روح العصر» في أوروبا هذا العام، قامت بمبادرة جديدة تمثلت بتسليم أعضاء الوفود المشاركة كتاب «الصمت في عصر الضوضاء» لمؤلفه إيرلينغ كاجي، المؤلف وهو مستكشف نرويجي أمضى 50 يوما مسافرا إلى القطب المتجمد الجنوبي في عزلة تامة بعيدا عن ضوضاء الحياة وصخب التكنولوجيا، حيث يطرح الكتاب فكرة مفادها بأننا يمكن أن نكون أكثر هدوءا عندما نزيل بشكل متقطع جميع الضوضاء وكل ما يمكن أن يشتت انتباهنا، بما في ذلك الأجهزة الرقمية المنتشرة في كل مكان.

إن معرض الرياض الدولي للكتاب والذي تشهده العاصمة هذه الأيام فرصة مواتية للجمهور، من المناسب استثمارها بالقراءة والاستمتاع بمختلف العناوين واختيار ما يناسب كل فئة عمرية بعيدا عن ضوضاء الأجهزة الرقمية التي تصاحب البعض ساعات طويلة في اليوم.

@nalhazani