صلاح صالح معمار

مكتسبات العقلية المتسامحة!

الاحد - 03 مارس 2019

Sun - 03 Mar 2019

في إحدى زياراتي لمدرسة أمريكية وقعت بالصدفة على سلسلة كتب مميزة للمربية شيري ماينيرز، وكان واحد من تلك الكتب بعنوان Forgive and Let Go، وهي سلسلة للأطفال أدركت معها أنه يجب بناء العقلية المتسامحة من الصغر.

ولعل الحاجة اليوم أصبحت ملحة لبناء العقلية المتسامحة، فالحاجة للتسامح تزداد مع ازدياد نسبة الاختلاف بين البشر من النواحي المعرفية والمهارية والثقافية واختلاف الاتجاهات والعادات والمعتقدات.

اليوم نشهد تباينا كبيرا في هذا العالم المنفتح الذي أصبح كقرية صغيرة يصعب الانعزال عنه. ومع هذا العالم أصبح خيار التسامح ليس ترفا فكريا، بل ضرورة حتمية، بل وتسامحا شاملا لأنواعه الأربعة، التسامح الديني: وذلك من خلال التعايش بين جميع متبعي الأديان السماوية، وممارسة الشعائر الدينية بدون تعصب ديني «لا إكراه في الدين». التسامح العرقي: من خلال تقبل الآخر رغم وجود اختلاف في العرق أو اللون من شتى المنابت والأصول. التسامح الفكري: يتمثل في الابتعاد عن التعصب للأفكار، واحترام فكر ومنطق الآخرين، والتأدب في الحوار والتخاطب. التسامح السياسي: يتمثل في ضمان الحريات الجماعية والفردية، تحقيقا لمبدأ ومنهج الديمقراطية.

وللتسامح مكتسبات كبرى، ومن وجهة نظري أهم 5 مكتسبات هي:

1. تحجيم لسلوكيات سيئة:

التسامح يعمل بشكل عكسي مع صفات وسلوكيات سيئة، فكلما زاد التسامح لدى الشخص قلت لديه النزعة نحو الغضب والانتقام والحقد والكراهية وتصيد الأخطاء. أن تكون متسامحا يعني أن تتجاوز عن أخطاء الآخرين وتصفح عنهم، وتساعدهم على تجاوز الشعور بالذنب تجاهك نتيجة إساءتهم لك بالقول أو الفعل، والتسامح أيضا يعني ترك الماضي المليء بالأحقاد ومشاعر الكره وراءنا.

2. تحجيم للأمراض:

صاحب العقلية المتسامحة يتمتع في الغالب بصحة بدنية وعقلية ونفسية جيدة، ويتمتع بزيادة في عدد ساعات نومه، بل وتتحسن صحة قلبه ومناعة جسمه من خلال ارتفاع نسبة خلايا CD4.

3. تحجيم لقطع العلاقات:

صاحب العقلية المتسامحة يستطيع تكوين علاقات وشراكات متنوعة مع مجموعة من الأفراد والتوجهات المختلفة عنه، ويملك من المرونة والمهارة التي تجعله قادر على التعايش مع هذا الاختلاف والخروج منه بأفضل النتائج! هي عقلية تؤمن أن الاختلاف نعمة متى ما أحسن التعامل معها، ويدرك أن أهم أدوات التعامل مع المختلف هو التسامح وعدم إنكاره أو تحجيمه أو إقصائه.

4. تحجيم للصغائر:

العقل المتسامح هو عقل ناضج يتقن فن التغافل، ولا يبني أحكامه وقراراته بناء على توافه الأمور وصغائرها، بل يتجاوز عنها، ومهما كان الاختلاف يظل التسامح قاعدة أولى له تطبيقا للقاعدة الربانية «وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم».

5. تحجيم لحرق الإنتاجية: صاحب العقلية المتسامحة في الغالب يتفرغ للإنتاجية ولا يحرق نفسه ومن حوله في التفرغ للشائعات أو ماذا قيل عنه أو يتفرغ للدفاع عن كل حركة يقوم بها! عقلية منتجة غير مشتتة بالقيل والقال، عقلية تدرك أن إرضاء الناس غاية لا تدرك.