ياسر عمر سندي

الهروب من المرهوب

الأربعاء - 13 فبراير 2019

Wed - 13 Feb 2019

من المواضيع الهامة التي تشغل العامة، خاصة في الآونة الأخيرة هي قصص هروب المراهقين من الجنسين، حيث يعد الهروب من الأساليب الدفاعية في علم النفس التحليلي، وتسمى بميكانيزمات الدفاع أو الحيل النفسيةDefense Mechanism، وهي طرق لا شعورية يلجأ إليها الشخص للهروب من ضغط معين يؤرقه، ويحدث ذلك للفرد في صغره إثر موقف تعنيف أو ضرب أو تنمر غير مرغوب فيه من شخص قاس في التعامل أو بسبب مكان ما استعاد فيه ذكريات مؤلمة، فيتحول ذلك إلى كبت لا شعوري «نفسي» أدى إلى إحداث القلق وعدم الراحة النفسية والجسدية، فيحصل للفرد حالة من الاجترار للماضي فيلجأ إلى هذا الأسلوب لتهدئة ذلك الاضطراب الذي يعتريه ويجعله في حالة عدم استقرار، ويصاحب ذلك تهديد نفسي داخلي يزيد في الإلحاح عليه إلى أن يلجأ للتهرب اللحظي وعدم المواجهة الوقتية أو الهروب الكلي وعدم المواجهة الدائمة، وترك كل شيء وراءه مثل أسرته ومحيطه ووطنه وأحيانا دينه ومعتقداته والعياذ بالله.

وتركيزي في هذا المقال على الأسلوب الدفاعي «الهروب» الذي ينشأ نتيجة أمر دفين في النفس يختبئ في مرحلة عمرية معينة في الصغر، وغالبا ما تكون في مرحلة ما قبل المدرسة أو أثناء الدراسة في المرحلة الابتدائية، تسبب لدى الطفل ما يسمى في التحليل النفسي بـ «لب الصراع» الذي ينتج عنه «التثبيت» لهذا الصراع، إضافة إلى العوامل الخارجية المساعدة مثل أصدقاء السوء والسفر وإهمال المتابعة وعدم الحرص.

ويتمثل الشبح «المرهوب» من أشد المقربين مثل «الأب أو الأم أو الأخ أو المحيط اللصيق به»، وغالبا ما يتسبب في الاضطراب الذي يفضي إلى الهروب، سواء النفسي اللا شعوري أو الواقعي الشعوري، خاصة للمراهق من المرحلة العمرية 13 _ 20 سنة بسبب أن سيكولوجيته يتخللها كثير من الصراعات والاضطرابات الوجدانية نتيجة التغير الحاصل في الهرمونات في بداية مرحلة البلوغ، وما يحدث من «فقد الهوية للمرحلة العمرية»، والتساؤلات التي تشغل باله مثل: هل أنا ما زلت طفلا أم كبرت؟ وهل ألعب مع الصغار أم الكبار؟ ولماذا تغير شكلي وجسمي واحتياجاتي، خاصة تحدث هذه الاضطرابات للبنات أكثر من الشباب إذا ما واجهن الاصطدامات الأسرية والجمود الفكري والسيطرة الذكورية في المنزل والمحيط الأسري المقرب.

ومن وجهة نظري السلوكية والمعرفية التي تستوجب علي كمتخصص أن أطرحها على المجتمع أو من تولى أمر ومسؤولية الرعاية التربوية، أرى أن يراعوا الله أولا وأخيرا في أبنائهم وبناتهم، وأن يرحموهم ويتلطفوا بأحوالهم ويقوموا باحتواء نفسياتهم ومشاعرهم في طرق التعامل معهم، وبخطوات سلوكية وأدوار عدة يلعبها المسؤولون كل فيما يخصه ويقوم به من عمل، وهي كالآتي:

• استمرار الدعاء لهم بالصلاح والهداية فإنها السبب الأول لحصول البركة والحفظ.

• الالتفات والتركيز على الأطفال منذ ولادتهم بحسن اختيار أسمائهم والعناية بهم في مأكلهم وملبسهم وتتبع احتياجاتهم العلاجية.

• التدرج في كل المراحل العمرية وإشباعها بكل الحب والعطف والإشعار بالأمان.

• التوجيه المستمر لكل موقف وسلوك يقوم به الطفل مع الحرص على الأفعال الصادرة من الأبوين واعتبارها نماذج تربوية منقولة.

• البعد تماما عن سلوك التعنيف اللفظي والفعلي والإيمائي مثل «الشتم والضرب والعبوس والتقتير».

• مشاركتهم مناسباتهم مثل أعياد الميلاد والنجاح والتخرج مع استمرار تقديم الهدايا.

• غرس مبدأ «المرجعية الأسرية للأبناء» بالتواصل الدائم والمتبادل بين الأبناء وآبائهم وأجدادهم وأعمامهم وأخوالهم بالود والاحترام.

• الاستماع والإنصات والتركيز لكل صغيرة وكبيرة حسبما يسرده الأطفال من قصص.

• الالتفاف حولهم ومعرفة أصدقائهم ومع من يماشون وخلق نوع من الجسور الترابطية.

• البعد عن سياسة التعنيف والترهيب، واللجوء إلى سياسة التقريب والترغيب، خاصة للمراهقين.

• النصح والحزم في كل المواقف بكل رقي ومن غير إهانة أو تجريح علني وقاس.

• اللجوء لسياسة الحرمان من الشيء المحبب لديهم أكثر من العقاب والضرب والشتم.

• أخذ رأي المراهق والمراهقة في شؤون المنزل وإشراكهما في أمور الأسرة.

• البعد عن التهميش والاستخفاف بمشاريعهم وأحلامهم وأمنياتهم حتى إن كانت بسيطة.

• احترام خصوصياتهم وعدم التجسس عليهم.

• اتباع منهج الرقابة الموازية «عن بعد» وهي عكس الرقابة اللصيقة «عن قرب».

• تعليمهم كيفية تحمل المسؤولية بالتوفير في المصاريف وترتيب المنزل ومساعدة الأم فيما تحتاجه.

رسالتي إلى أولياء الأمور أن الرحمة واللين أساس التقرب والتمكين، قال تعالى «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك»، آل عمران 159.

إن كل ما يشغل بال المراهقين حاليا أمران هامان؛ كيفية الاستقلالية الفكرية وطريقة إثبات الذات، فأعينوهم ولا تجبروهم على الهروب من المرهوب، فيصبحوا كمن يستجير من الرمضاء بالنار.

@Yos123Omar