حسن علي القحطاني

حكومة الطاولة المستديرة

السبت - 02 فبراير 2019

Sat - 02 Feb 2019

أخيرا، في السابعة والربع من مساء الخميس الماضي ولدت الحكومة اللبنانية برئاسة سعد الحريري، بعد نحو تسعة أشهر من المخاض الصعب، شهدت هذه الفترة الطويلة إسقاط الجنين تلو الجنين من رحم الحكومة في قصر بعبدا، واكتفى قصر العدل بمتابعة تطورات المشهد، ومع كل إسقاط كان التصفير والتصفيق بصخب يسمع بين الضاحية وعين التينة.

اللبنانيون تجرعوا مكرهين القانون الجديد للانتخابات في 2018 الذي يستند على النسبية دون أن يتخلى عن (الكوتا المذهبية) في توزيع مقاعد البرلمان الـ 128، ولا يمكن للناخبين وفق القانون الجديد اختيار أسماء معينة من اللوائح أو شطب أخرى كما جرت العادة، بل على الناخب اختيار اللائحة كاملة، وكان واضحا لكل المهتمين بالشأن اللبناني أن هناك أيادي خفية تعمل لصالح حزب الله المدعوم من إيران، فنتج عن هذا القانون انتخابات حولت مسار الديمقراطية التوافقية اللبنانية إلى عقائدية، وعلى هذا الأساس تم تشكيل المجلس النيابي اللبناني الذي يسيطر عليه أتباع حسن نصر الله وحزبه، ومن هذا المجلس انبثق التمثيل الوزاري في الحكومة الجديدة فيما يعرف بالمحاصصة.

حزب الشيطان وبالتنسيق مع إيران ومع حلفاء له من الداخل قرر الإفراج عن تشكيل الحكومة لأنها أصبحت ضرورية، فالضغط الذي تتعرض له ملالي طهران خلال هذه المرحلة لا يشابه أي ضغوط سابقة، ونجحت ولو جزئيا القوى الإقليمية والدولية بتحجيم نفوذ إيران في المنطقة وإيقاف الدعم لميليشياتها المسلحة، ومنها ميليشيات حزب الله اللبناني.

في الحكومة اللبنانية الجديدة يملك حزب الله الإيراني الثلث المعطل، وإن كان هذا ليس جديدا لكن هذه المرة صاغ واقعا فرضه بالقوة يتمثل في اقتطاع مقعد من حصة رئيس الجمهورية ميشيل عون، وإن كان الحريري ربح معركة الحفاظ على حجم تمثيله السني فلم يأت تمثيل اللقاء التشاوري من حساب تيار المستقبل أو على حسابه، ولكن في النهاية حصل حزب الله على حكومة يسيطر فيها على قرار الطاولة الوزارية المستديرة مهما بلغت الخلافات والتباينات للقضايا المطروحة عليها، بسبب التحالفات مع ممثلين من الطوائف السياسية الأخرى، سواء كانت سنية أو درزية أو مسيحية.

كل هذا التناقض في المشهد اللبناني وكيفية وصول هذا الحزب إلى رئيس يواليه، ومجلس نواب يسيره، والآن إلى حكومة يتحكم في قرارها، يؤكد يقينا حقيقة أن حزب الله يعمل على الحفاظ على بقاء الوضع الحالي قائما على أيديولوجيا طويلة المدى، ودون مواجهة مقاومة داخلية حقيقية، بحيث يحقق أكبر المكاسب من خلالها، إلى أن تحين الفرصة ويصبح قادرا على السيطرة وتغيير النظام كاملا في لبنان وفق ما يقتضيه ولاؤه ومصالحة المذهبية، كما أن هذا يعني خارجيا أن لبنان يتجه نحو مستقبل لن يثق فيه العالم بحكومة يديرها حزب الله للالتفاف على العقوبات الأمريكية أو الدولية، ولا بحزب سيستنزف ما تبقى من رصيد دولته للدفاع عن سلاح يهدد اللبنانيين أكثر من غيرهم، ويهدد لبنان الشقيق بفقد التضامن والدعم العربي والدولي، وشلل اقتصادي عام.

وربما أكثر ما أخشاه أن توقد شرارة حرب جديدة بين شمال لبنان وجنوبه.