ياسر عمر سندي

ما يعيبه إلا جيبه «للرجال فقط»

الأربعاء - 30 يناير 2019

Wed - 30 Jan 2019

ابتلينا في مجتمعاتنا العربية ببعض الأمثلة الشعبية السلبية التي أعدها محركا عاما لكثير من المعتقدات والتوجهات الاجتماعية السائدة، حيث يقوم شخص ما بإطلاق المثل كحالة خاصة مر بها فلان بن فلان في سالف العصر والزمان، ويستمر بتواتر ذلك المثل بالانتقال والانتشار عبر ما يسمى «جماعة التأييد» السائد إلى أن يصل المثل للتثبيت المجتمعي من خلال الرأي العام. والمشكلة العظمى إذا تم انتقاله عن طريق أشخاص لهم قدرهم ومكانتهم وأصبحوا يرددونه كلسان حال، حيث تصبح ركيزة وفكرة راسخة تتأصل في أذهان العامة، وهكذا ينتشر المثل الشعبي بخيره وشره وعجره وبجره وحلوه ومره. ومن هذه الأمثال التليدة هذا المثل الذي يثير اشمئزازي في الحقيقة كلما تردد وسمعته من القريب والبعيد «ما يعيبه إلا جيبه»، والذي أدى بدوره إلى حدوث مشكلات عديدة وجر ويلات زوجية وتفكك أسري وعائلي كبير، بسبب فكرة ذكورية محضة ومقيتة تقبلها المجتمع وأكد عليها بقناعة وتأييد - مع الأسف - ضاربا عرض الحائط بالأخلاق والمثل العليا التي يتحلى بها كثير من الرجال.

يا معشر الرجال أخاطبكم بلغة المنطق والعقل للتأمل في هذا المثل، هل هو من الحكمة أن نطلق على فلان من الناس في حال فقره بأنه معيب ويجر أذيال الخيبة ويعتريه شيء من النقص والخلل أو أن فقر الرجل المادي «المالي» يعد من خوارم المروءة في حال قوله تعالى في محكم تنزيله «إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله» سورة النور 32. وقال عليه الصلاة والسلام «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه»، وعلى الجانب الآخر أيضا من تقييمنا للمثل إذا نظرنا للرجل على أنه في حالة غنى وقتي أو أزلي متوسط أو فاحش، هل يرفع لديه ذلك الغنى من درجة الكمال المجتمعي؟ لدي الكثير من التساؤلات ولكن سأركز في النهاية على بضعة عيوب يوصم بها الرجال في حال التصق ذلك السلوك أو الفعل المنبوذ بهم، وسأناقش تلك العيوب معكم لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ويتحرر المجتمع من هذه الأفكار السيئة، وأجري على الله.

هنالك معياران أكد عليها الرسول الكريم في حديثه، وهما «الدين والخلق»، والدين يشتمل على جميع المعاني والدلالات التي تعكس لنا أن هذا الرجل سليم العقيدة من ناحية تأديته لأركان الإسلام، ويحمل أفكارا سوية، فإذا صلح أول شرط ننتقل إلى المعيار والشرط الثاني وهو الأخلاق، والذي يعكس لنا جميع مكارم الأخلاق من الرقي والكرم الأخلاقي في البذل المعنوي والمادي وبما تجود به النفس من غير تكلف ولا تكليف مع غيره، وسلامة اللسان وكف أذى الأبدان وطيب المعشر مع الأهل والمعارف والجيران، فهذان المعياران هما الشهادتان لسلامة الرجل.

أما ما أراه من العيوب في غير الجيوب، والتي تنتقص من حال الرجل وتحوله إلى مجرد ذكر فقط، فهي عديدة، وأركز على خمسة عيوب رئيسة، هي:

• البخل والشح أمر مقزز يمقته الله وخلقه، وهو أهم عيب أجده وإن زاد وفاض جيب الرجل، فالبخيل شحيح في كل أموره في عطائه وأخلاقه ومشاعره وتربيته وعلاقاته الاجتماعية مع الناس، والدينية مع الله.

• الحماقة وهي الداء العضال بسوء التصرف وفقدان الحكمة «لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها».

• الضرب والتعدي على الزوجة والأولاد والغير. قال عليه الصلاة والسلام «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده».

• الأنانية وحب الذات في التعامل مع الزوجة والأولاد والآخرين.

• الكذب وخيانة الأمانة وعدم الوضوح والتهرب من مواجهة المواقف، قال عليه الصلاة والسلام «ما زال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا»، وكان من أهم أخلاقه وصفاته الصادق الأمين.

هذه يا معشر الرجال أهم العيوب المشينة التي تعترينا، وأرجو أن نستبدل المثل بـ«ما يزين الرجال غير صدق الأقوال وحسن الأفعال».