عبدالله الأعرج

شخصنة بيئات العمل

الاحد - 13 يناير 2019

Sun - 13 Jan 2019

لو طلب مني أحدهم أن أتلو عليه أكثر ما يقوض ويسحق ويمحق بركة العمل لقلت: تحويله لميدان ومسرح للتصفيات الشخصية بين العاملين فيه!

ذلك أن الشخصنة (أي إدخال الأمور الشخصية) في التعامل مع الموظفين أمر ممقوت يقلب الطاولة رأسا على عقب، ويحيل الحق باطلا والعكس، ويقدم المكتسبات الذاتية على المكاسب الحقيقية، فتتحول تلك الدائرة من مقر إنتاجية إلى أوكار مؤامرات وأحاديث ظلم ودسائس ظلام!

ولذلك فإنني على الصعيد الشخصي لن أستغرب ولن أستبعد أن تكون الشخصنة هي السبب في الترقي أو التكريم أو التيسير أو التثبيت لأحدهم، تماما ككونها السبب للإقصاء أو التسويف أو الإبعاد لأفراد آخرين، خاصة حينما تتساوى المحددات وتتطابق الشروط، فتنعكس إيجابا على فرد في المنظومة وسلبا على زميله في المكان نفسه.

الإشكالية الحقيقية لممارسة عمليات الشخصنة المقصودة أن الممارس لها لا يقر أبدا بأنه متحيز لطرف دون آخر، بل إنه قد يلجأ ظلما وعدوانا لتزييف الواقع وحشد القرائن وتقديم الشواهد المفبركة على صحة قراره وصدق توجهه، مما يلزم معه دورة طويلة المدى لاستجلاء الحقيقة فتكون أشبه بسباق التحمل للخيول، ينتصر فيه الأطول نفسا والأقوى شكيمة، فتستنزف الوقت وتحط من الدافعية وتقزم الانتماء للمنظمة وتحد من الإنتاجية.

وبالمشاهدة والسماع والقراءة تشكل لدي شبه يقين بأن ممارسة الشخصنة داخل بعض بيئات الأعمال تنبع بشكل رئيسي من ثلاثة مصادر:

أولا: عدم ارتياح المشخصن لبعض أفراد العمل بسبب أيديولوجياتهم وأفكارهم حيال العمل والقرارات التي تتخذ داخل المنظومة، فيتولد شعور لدى المسؤول أن هذا الفرد داخل بيئة العمل مصدر خطر محتمل، فيبادر فورا إلى إقصائه واستخدام عصى النظام لترويعه، بدلا من الجلوس معه حول طاولة واحدة لاستجلاء الأمر وبيان الحقائق والوصول إلى تسوية ترضي المدير والمدار.

ثانيا: ألا قاتل الله الحسد! كم خلق من عداوات في بيئات العمل لأسباب هلامية! فترى بعض الأفراد ينبذ لا لشيء إلا لتميز فكره ورجاحة عقله وسمو توجهه، فتراه الشغل الشاغل لمدير ابتلي بداء الشك بأن هذا الموظف خطر محتمل على سعادته، وبديل متوقع لحضرته، فتراه يحيل كل خطوة يخطوها ذلك المميز إلى مصدر تحقيق وموطئ تساؤل، بل إنه يبالغ في التقليل من إنجازه، والنيل من أفكاره، وما علم سعادته أنه لو استغل نصف طاقته لكسب زميله لحلق بمنظمته إلى أقصى ما يمكن، دون أن ينقص من أجره شيء ولا من كرسيه قطعة!

ثالثا: الجهل! وما أدراك ما الجهل؟ ذلك المركب المرعب الذي ما زالت البشرية تحاربه منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها! والذي يجعل أحدهم يشخصن العمل لأسباب أساء فهمها أو أمور لم يدرك المقصود منها، بل إنه لم يمنح نفسه فرصة ليستجلي الأحداث ويفهم الأمور، واكتفى بفهمه السقيم واتخذ قراره العقيم فحرم المنظمة كأخويه البائسين أعلاه من خير كبير وعز وفير.

خلاصة القول إنها دعوة للحيادية والمهنية والأصالة في بيئات العمل. هي دعوة لنبذ الأنا الظالمة والذات المقيتة. وكلما دعتنا النفس الأمارة بالسوء إلى الحيف على أحدهم أو شخصنة الأمور أو التذاكي في إخفاء أسباب التحييد للآخرين وجب علينا تذكر قول الحق سبحانه «ألم يعلم بأن الله يرى». والسلام.

dralaaraj@