ناصر الهزاني

الصورة وصناعة الرأي العام

الاثنين - 31 ديسمبر 2018

Mon - 31 Dec 2018

بات من الواضح أن الصورة لم تعد مجرد محتوى بسيط ينشر في ثنايا الأخبار بهدف تنويع المادة المنشورة حتى لا تكون جامدة، لكن تغيرت المعادلة في وقتنا الحاضر لتصبح الصورة أداة فاعلة ومؤثرة في صناعة الرأي العام، كما أن صناعة الأخبار هي الأخرى تغيرت، ولا سيما مع دخول الإعلام الجديد وتأثير منصات التواصل الاجتماعية التي أسهمت بشكل ملحوظ في إعادة تشكيل العملية الاتصالية، حيث حضرت الصورة بشكل أكثر وضوحا وبطرق وأساليب تقديم مختلفة.

فلقد أضحت الصورة مادة إعلامية وإعلانية في الوقت نفسه، وأصبحت أداة فاعلة ومهمة من أدوات التأثير على الجمهور بمختلف اهتماماته.

إن الاهتمام بالصورة في وقتنا الحاضر جاء لما لها من تأثير في وعي الجماهير وإدراكهم، وما تحمله من دلالات بلاغية ورمزية جعلتها سمة مهمة من سمات عصرنا الحديث.

لقد أصبح هذا العصر بما يحمله من تغيرات متسارعة في البيئة الاتصالية «عصر طغيان الصورة» بامتياز، حيث تصدرت المشهد الإعلامي والثقافي في العالم بعد أن كانت في عصور سابقة ليست أساسية في حياة الناس، فغدت لاعبا رئيسا في تشكيل الرأي العام نحو قضية ما أو موضوع مطروح أو إقناعه بوجهة نظر معينة، مما جعل عددا من الدول والحكومات، وحتى الشركات والأفراد، تدرك جيدا مدى تأثيرها وقوتها الإقناعية في إيصال الرسالة الإعلامية بأسرع وقت لمختلف شرائح المجتمع وفئاته المتنوعة، صغيرا كان أم كبيرا، متعلما أو غير متعلم.

وأسهم التقدم التقني المصاحب لأشكال العرض والبث عبر منصات الإعلام الجديد وتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعية في زيادة سطوة الصورة اليوم، خاصة إذا أدركنا أن حاسة البصر من أهم حواس الإنسان التي من خلالها يكتسب العلوم والمعارف المختلفة ويتفاعل مع محيطه الاجتماعي العام، وكما قيل «ليس راء كمن سمع»، ذلك أن الرؤية البصرية وبما يتشكل من خلالها هي التي تصدق وتجزم بحدوث الشيء من عدمه.

لقد غدت الصورة مادة تتحدث عن نفسها في كثير من الأوقات ولا تحتاج لمزيد شرح وجهد من المتلقي في فهم معناها ودلالاتها الرمزية والتعبيرية كما هو حال بقية المواد الإعلامية المنشورة، ولا سيما إذا صاحب ذلك عرضها بطريقة مشوقة وجذابة تحوي قوالب متعددة يمكن وضعها فيها، مصحوبة بخاصية الإبهار التي تسعى لتوجيه سلوك الفرد نحو منتج أو شركة معينة، مما يؤدي إلى رواجها عبر منصات التواصل. فهي من أهم أساليب صناعة المحتوى الإعلامي لتحقيق التميز والمنافسة محليا ودوليا، ودون تطوير المحتوى البصري ستجد عددا من المنظمات والمؤسسات أنها أصبحت خارج المنافسة.

وإذا أردنا رؤية حجم تأثير الصورة في عقول الجماهير وقدرتها على تحريك عواطفهم ومشاعرهم تجاه حدث معين، لنقف على بعض المشاهد التي أحدثت هزة عالمية، كنشر صورة الطفل اللاجئ الذي توفي على ضفاف البحر، وكيف هزت تلك الصورة وثارت بسببها المجتمعات وتحركت منظمات حقوق الإنسان بمطالباتها، حيث لاقت تلك الصورة انتشارا على أوسع نطاق وأصبحت مغنية عن عشرات ومئات المقالات المنشورة.

إن الصورة في عالم «السوشال ميديا» اليوم أصبحت بمثابة القوة الناعمة التي تستخدمها الدول والمجتمعات والمنظمات والشركات إضافة للأفراد، بهدف إحداث التغيير المطلوب وتحقيق النتائج المرجوة، فقد أثبتت التجارب أن قوة الصورة تعادل القوة العسكرية، وتأثيرها الواسع يمهد لحضور فاعل في المجتمع الدولي.

لقد أصبحت الصورة صناعة وفنا، وتحتاج من المتخصصين في مجالات الإعلام والعلاقات العامة والمهتمين ببناء الصورة الذهنية وتشكيلها إدراك قواعدها وأساليب استخدامها بشكل مهني، لصناعة رسالة إعلامية مؤثرة لدى الجمهور، فمن الضروري ألا يكتفى بنشر الصورة بهدف النشر فقط، ولكن من المهم أن تستفز المتلقي وتسعى لاستثارة اهتمامه وجذبه إليها بشكل لافت، إذا كنا نستهدف إقناع الجمهور بقضية أو موضوع أو فكرة أو منتج معين.

اختيار صورة دون أخرى والتقاطها من زاوية معينة وما يصاحب ذلك من عملية المونتاج التي تخضع لها تعني أنها تحمل رسالة محددة يراد لها أن تصل لمجتمع معين وتحدث أثرا فيه.

إن صناعة المحتوى الإعلامي للصورة مهم، فلا نجاح دون مضمون يخاطب المشاهد ويحاكي اهتمامه، فمع انتشار الكم المتنوع من الصور في منصات الإعلام الجديد نجد مضامين واضحة وعميقة في مغزاها وأخرى سطحية بلا معنى ولا مضمون.

nalhazani@