مرزوق تنباك

نتمنى الأماني

الثلاثاء - 25 ديسمبر 2018

Tue - 25 Dec 2018

في بعض الأحيان يجد المرء في نفسه رغبة بأن يتمنى الأماني حين يعجز عن تحقيق ما يريد وما يرجو تحققه، وحين لا يستطيع غير الأماني يلجأ إليها، وفي هذا المقال: نتمنى لو هدى الله المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وتنازلوا بمحض إرادتهم عن فقه ألف وثلاثمئة وأربعين سنة من تاريخهم الماضي فيما يخص حاجاتهم في دنياهم، وأن يبقوا على المئة سنة الأولى من الإسلام التي بعث الله فيها نبيه وأكمل دينه بنص القرآن (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا).

وليس بعد الكمال إلا الزيادة، وهذه المئة سنة استغرقت حياة الصحابة والتابعين الأولين، وفيها اكتمل الإسلام ووصل المسلمون من الرفعة والكرامة والقوة ما لم يصلوا إليه حتى اليوم، ولم يكن في هذه المئة سنة لا مذاهب ولا فقهاء ولا طرق ولا طوائف، ولا مصنفات فلان واختلاف رأيه عن رأي علان، ولا يزعم أحد بأن ما يراه هو السنة والبيان.

ليس في ذلك القرن الأول كتاب غير القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وليس فيه مجلدات من فقه الفقهاء ولا جدل أهل الجدل والأهواء، كان المسلمون يديرون أمورهم على ما يحدث في حال حدوثه لا ينتظرون فتاوى المفتين ولا يسمعون لأقوال القائلين ولا يحتاجون إلى اجتهاد المجتهدين في الدين.

في عهد أبي بكر واجه أعظم خطر تعرض له الإسلام وهي الردة، فكان التصرف الآني بالرأي الفطير وحسن التقدير وبالمشورة الناجزة التي تستمد قوتها من الحال الذي كان فيه الخليفة ومن معه من الصحابة وأهل الرأي، وفي عهد عمر فتحت الدنيا على مصراعيها ولم تضق حيل الناس عن إدارة حاضرهم، فاخترعت الدواوين وقسمت الأعطيات ونجح الناس مسلمهم ومن معهم من البشر بالتعايش والسلام، وما احتاجوا إلى آلاف المصنفات وملايين الآراء والاختلافات.

كان الرجوع إلى القرآن والأخذ بما يطلبه الحاضر ويتعامل مع الواقع هو هاديهم وقائدهم إلى الصواب، تقع النوازل فيكون لها أهل الرأي في حال نزولها الذين لا يلتفتون إلى الوراء ولا يسألون أهل المصنفات والفقهاء الأموات، يكون الحاضر هو ميدانهم والدليل هو قائدهم لصالح حاضرهم وإعمالهم عقولهم بحاجات يومهم ومقتضى سياستهم وسيادتهم تأتي في وقتها ويتعاملون معها بظرفها ومتطلباتها المعاصرة.

ما الذي يمنع أن نكون مثل أسلافنا في القرن الأول ونتعامل مع واقعنا ونحرر عقولنا ونخفف عليها من حمل أعباء ما أضافته عقول أمم في تاريخنا كان اجتهادها لزمنها وحاجتها الطارئة لنفسها؟ ما الذي يلزم المعاصرين في رأي فقيه اجتهد لزمنه وقومه وأدار رأيه على حال المجتمع الذي كان يعيش فيه، وحالت بيننا وبينه مئات السنين؟

إن الفقهاء الذين قسموا الناس إلى فرق وأحزاب وطوائف ليست حجتهم ملزمة لغير أبناء زمانهم ومن يرى رأيهم، ولو عاش فقهاء الماضي الذين يتقاتل الحاضرون من أجل آرائهم، لو عاشوا معنا اليوم لما عرفوا شيئا مما نحن عليه، ماذا سيقولون في الطائرات والانترنت وكل الاختراعات؟ ماذا يعرفون عن تأجير الأرحام والتبرع بالأعضاء أو الاستنساخ؟ ولو بعث العقلاء منهم لما أبقوا لهم رأيا ولقالوا بغير ما ينقل عنهم أتباعهم، والناس أشبه بأزمانهم منهم بآبائهم، وما نحتاجه لزماننا هو فقه الحاضر وليس الماضي.

والفقه ليس دينا وإنما هو صناعة لظرف وزمن لا يكون متشابها ولا متطابقا ويتغير الفقه والرأي فيه بتغير الظرف والزمن الذي أوجده أو جعل الفقيه يقول فيه ما قال، لا تظن أن المذهب الذي تقاتل من أجله هو دين تدين الله به، إنه تفسير بشر ورأي رجل اجتهد تبعه على اجتهاده آخرون وأقروه على ما يرى، حظه من الخطأ مثل حظه من الصواب، بل قد يحمل من الأخطاء أكثر مما يحمل من الصواب.

Mtenback@