خالد العماري

الاستثمار في الطفولة

الخميس - 13 ديسمبر 2018

Thu - 13 Dec 2018

يجهل الكثير حساسية السنوات الأولى من عمر الطفل، وخطورة التفريط فيها، ليس على مستوى صحة البدن، وإنما على مستوى البناء المعرفي والوجداني، وأثر ذلك على التكوين المستقبلي لوعي الطفل وبنائه النفسي والسلوكي والمهاري والاجتماعي.

ومع تفريط بعض الأمهات في حق الطفل في الرضاعة الطبيعية الذي يمكن تعويضه جزئيا بـ «مرضعة أخرى»، إلا أن غفلة الأم وغياب المجتمع عن الاستثمار في الأطفال هو بوابة المشكلات النفسية والاجتماعية التي ستؤثر ليس على الأطفال وعلى أسرهم فحسب، بل ستؤثر على الاقتصاد الوطني الذي سيلجأ لكثير من الحلول والمعالجات التربوية والتعليمية لقطاع عريض من الأطفال في تعليم المرحلة الابتدائية وبقية مراحل التعليم العام والجامعي، وما يتلوها من مراحل وظيفية.

وعلى العكس من ذلك فوعينا بالدور المطلوب مع هذه الفئة العمرية واستثمارنا فيها بشكل منهجي عميق سيقلب المعادلة لمصلحة الأطفال والأسرة والمجتمع والاقتصاد الوطني.

في عام 2016 حث رئيس مجموعة البنك الدولي جيم يونغ كيم والمدير التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) أنتوني ليك قادة العالم والزعماء الوطنيين على تعزيز وتسريع وتيرة العمل والاستثمار في برامج التغذية وتنمية الطفولة المبكرة، باعتبارهما أساسا بالغ الأهمية لتحقيق التنمية العادلة والنمو الاقتصادي، وضرورة إنشاء تحالف جديد يهدف إلى إعطاء تنمية الطفولة المبكرة أولوية عالمية عند وضع السياسات والبرامج والإنفاق العام.

إن لتجارب الطفولة المبكرة تأثيرا عميقا على نمو المخ وعلى عملية التعلم اللاحقة ومستوى الصحة والدخل للفرد البالغ. ومما ورد في إعلان إنشيون، التعليم حتى 2030 المتعلق بالهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة لهذه الألفية: «إن السنوات القليلة الأولى من العمر هي الفترة التي يحدث فيها الجزء الأهم من نمو المخ، ويبدأ فيها الأطفال التركيز على تكوين مفاهيمهم عن الذات وعن العالم المحيط بهم، ويكونون الأسس الأولى لأن يصبحوا مواطنين يتمتعون بالصحة ويهتمون بما حولهم ويتحلون بالقدرة على التنافس ويساهمون في حياة المجتمع»، وضرورة العمل على «ضمان أن تتاح لجميع البنات والبنين فرص الحصول على نوعية جيدة من النماء والرعاية في مرحلة الطفولة المبكرة والتعليم قبل الابتدائي حتى يكونوا جاهزين للتعليم الابتدائي».

وعندما زار رئيس بنك جرامين للفقراء في بنجلاديش، الدكتور والمصرفي العالمي محمد يونس، المملكة العربية السعودية، تحدث عن تجربته في دمج العمل الاستثماري بالعمل الاجتماعي، وجعله أسلوب عمل لكل الأنشطة التجارية، معتبرا أن دمج الحاجات الإنسانية بالعمل الاستثماري يخدم التنمية الاجتماعية والاقتصادية بطريقة أقل تكلفة وأكثر جدوى.

وأشار يونس إلى أن هذه الاستراتيجية ليست مصممة فقط للدول الفقيرة، بل إنها المنقذ ربما للدول الغنية من الوقوع في شرك الرأسمالية الطاغية، وأن كل ما على هذه الدول هو تحديد المشكلات والأولويات ثم تصميم المشاريع بنمط الاستثمار الاجتماعي، عندها سيتم التوفيق بين الهدف الاقتصادي والهدف الاجتماعي، وسيكون الرضا شعورا ملازما لكل المنتسبين لهذه الأعمال.

وفي مقابل أطروحة يونس يمكن القول إن فرص التنمية المستدامة تبدأ من الاستثمار في الطفولة المبكرة، ولا يمكن أن يكون ذلك إلا باعتبار الأم هي المؤثر الرئيس، والأسرة هي الميدان الأول، وهذه هي الدائرة الأولى للاستثمار الاجتماعي الأمثل في أي مجتمع من المجتمعات.

الأطفال في مجتمعنا هم «النفط البشري» الحقيقي، وهم جيل الرؤية 2030 في واقع الأمر، وهم البديل عن النفط الأسود والأحمر والأصفر ..، وقيمة هذا النفط وحجمه ونوعه وتأثيره بعد قرابة خمس عشرة سنة هي بمقدار استثمارنا فيه الآن.

الاستثمار في الطفولة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعد من أدنى المعدلات في العالم، بحسب تقارير اليونيسف، إلا أننا نعتقد أن السعودية برؤيتها الطموحة مرشحة لأن تكون الأولى خليجيا وعربيا، بل قد تحتل مرتبة منافسة عالميا إن أولت الطفولة عناية خاصة واعتمدت برامج نوعية لتنمية الطفولة والاستثمار في الأطفال ضمن البرامج الاستراتيجية لتحقيق رؤية المملكة.

ammarikh@