حسن علي القحطاني

في لبنان.. دولة داخل الدولة

السبت - 17 نوفمبر 2018

Sat - 17 Nov 2018

قبل 300 عام قال الملك الفرنسي لويس الرابع عشر (أنا الدولة والدولة أنا)، وفي مطلع الأسبوع الماضي، خرج زعيم ميليشيات حزب الله اللبناني حسن نصر الله من سردابه الأرضي على الشاشة ليحيي هذه الجملة من جديد، وألقى كلمات بنبرة عالية لمدة ساعة ونصف الساعة، هي أقرب للصراخ المقترن بالألم من كونها كلمات يستعرض بها أمام مناصريه، تطاول في ثناياها على الرؤساء والوزراء والزعماء في لبنان، بل وتعدت إلى رجال الدين من الشيوخ والبطاركة والمطارنة وغيرهم، وكأنه لا خيار أمام القيادات السياسية والدينية إلا توقيع وثيقة استسلامهم، فميليشيات حزب الشيطان لن تسمح بتشكيل الحكومة اللبنانية ولو بعد ألف عام - على حد وصفة - ما لم تتشكل وفق معايير وشروط هذه الميليشيات الإرهابية.

مع كلمات نصر الله التي ربط فيها أصبعه السبابة على أبهامة بشكل دائري بدا وكأنه يفرض عليهم خارطة طريق للتحكم بمؤسسات الدولة وعملها، وفقا لمصالحه ومصالح عصابته، ويتوعد مستقبل لبنان والشعب اللبناني الشقيق بدفع الثمن مع كل منعطف يقوض فيه معنى الدولة اللبنانية وهوية اللبنانيين لصالح الفوضى التي يريد أن يجسدها واقعا لهم.

هذا المجرم أعاد مفاوضات تشكيل الحكومة اللبنانية إلى المربع الأول، وتطرق لمحاصصة جديدة تعتمد على النسبية بعد أن نجح في شق صف المسلمين والمسيحيين، ودعا إلى الخروج من اتفاق الطائف، وتعريض مكونات المجتمع اللبناني لتناحر يمهد لحرب أهلية لن ترحم أحدا.

إن إصرار نصر الله على اكتمال اختراق الكتلة السنية التي تشكل التحدي الأكبر له من حيث الثقل الديموغرافي، يأتي بعد شقه للصف المسيحي، وابتزازه الدروز بحرمان زعمائهم من التمثيل الحقيقي في البرلمان، بينما ميليشياته تضع يدها على مفاصل السلطة وتكبل يد لبنان عبر تسببها بفرض عقوبات أمريكية عليه، كان آخرها تصنيف نجله جواد نصر الله كإرهابي عالمي مطلوب للعدالة، فابن الإوزة عوام، وهو من ضمن منظومة تشمل أفراد ومؤسسات ومنظمات وحتى خلايا إرهابية أدرجت بعضها تحت بند الملاحقة القانونية والعقوبات والباقي سيتم إدراجه.

ما أستغربه هو موقف الرئيس عون الذي أدار خده لصفعة نصر الله وكأن الأمر لا يعنيه، ولم ينطق ببنت شفة، وكأن نصر الله وضع الجنرال في متاهة يصعب الخروج منها، أو أنه فرض عليه قبول واقع مفاده بأن تشكيل الحكومة لن يتم إلا على ذوق ميليشيات حزب الله وبمقياس يرضيها فقط.

هذه العنتريات لم تجد لها ردا إلا بظهور رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في مؤتمر صحفي حمل فيه نصر الله وحزبه الشيطاني مسؤولية عرقلة تشكيل الحكومة، وما أخشاه ألا يكون أمام الحريري إلا إدارة حكومة تصريف الأعمال.

أخيرا، ترك هذا المجرم يزيد من غرس أظافره في جسد لبنان السياسي الهش سيعرض لبنان الدولة وشعب لبنان لمخاطر كبيرة، ويدخلها في نفق من يحدد المسموح والممنوع في لبنان، وتجسيد حزب الله كدولة في داخل الدولة سيجعل المجتمع الدولي لا يفرق بينهما.

hq22222@