عبدالله الأعرج

التدريب التقني.. مفاعل أنتم وقوده!

الاحد - 04 نوفمبر 2018

Sun - 04 Nov 2018

من المعلوم لدى معاشر الفيزيائيين أن المفاعل النووي عبارة عن منشأة ضخمة يتم فيها التحكم بعناية بسلسلة الانشطارات النووية وفصل عناصر كيميائية وتحويل بعضها إلى عناصر أخرى، وكل هذا لإنتاج طاقة هائلة يستفاد منها للأغراض السلمية والحربية على حد سواء.

وبسحب فكرة المفاعل النووي إلى عالم بني البشر فإن الحرفة والمهنة أثبتتا وبقوة ما يمكن وصفه بالمفاعل البشري Human Reactor في عالم يعج بكثير من المتغيرات وقليل من الثوابت، وديناميكية توجب المواكبة والمجاراة، بل والتحدي!

هكذا هي الصنعة والمهنة جزء من حياة أولي العزم من الرسل عليهم السلام ومحدد (حاد) في التفريق بين قدرات أسياد العالم وملاذ من الفقر والجوع والعوز!

وفي رؤية الوطن بمحاورها الثلاثة جاء محور الاقتصاد المزدهر ليؤكد أن صنعة في اليد تعني اقتصادا متينا في الغد، وإشباعا لاحتياج الأفراد والجماعات، واعتزازا بالقدرات الوطنية المؤهلة من خلال تدريب وتعليم يواكب احتياجات سوق العمل الوطني ويوازي نظيره العالمي.

ولأن كل ما سبق يصنع الفرق ها هي الأنظار تتجه اليوم نحو المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني TVTC متسائلة عما قامت به وما ستقوم به من أدوار في تحقيق رؤية السعودية العظمى، ليأتي الجواب مدعما بالشواهد على أرض الواقع بأن التدريب التقني وثب في السنين الأخيرة كما وكيفا نحو إنجازات تنتفض على نمطية الصورة السابقة وتراهن بقوة على مستقبل يليق بالسعودية الجديدة، ودونكم ماتحقق لـ TVTC في رحلتها نحو الإبداع.

ففي مجال التدريب فإن التقرير السنوي للعام الماضي أوضح أن لدى التدريب التقني تمددا جغرافيا يضرب في طول البلاد وعرضها، وذلك بوجود 15 كلية بنين تمنح البكالوريوس و40 كلية بنين تمنح الدبلوم و23 كلية للبنات و14 كلية تقنية عالمية للبنين و17 كلية عالمية للبنات وكلية لإعداد المدربين التقنيين و25 معهد شراكات استراتيجية و66 معهد ثانوية صناعية، تعمل جميعا بفاعلية لمواكبة سوق العمل والوصول إلى المستفيدين في معظم المحافظات، ليبلغ عدد المتدربين المسجلين بها 156.668 متدربا ومتدربة.

وفي مجال البرامج المتوسطة والقصيرة فإن إجمالي المستفيدين من برامج التدريب التقني بلغ 305.431 مستفيدا استقوا التدريب من برامج ريادة الأعمال، ومراكز خدمة المجتمع وبرامج التدريب الأهلي والتدريب على الشهادات الاحترافية ومعاهد التدريب المهني بالسجون.

وفي مجال التخصصات التي يدرب عليها التدريب التقني فإن TVTC تقوم بالتدريب على أمهات التخصصات كالحاسب الآلي والشبكات والكهرباء والميكانيكا والتكييف والتبريد، كما تواكب المستجدات وتدرب على الطاقة المتجددة وصيانة الطائرات والقطارات وتقنية الحفر والنفط والغاز، وفي المجال المقابل تدرب TVTC في مجال التقنية الإدارية، ويشمل ذلك التسويق والإدارة المكتبية والمحاسبة والسياحة والضيافة والفندقة والحج والعمرة وغيرها من التخصصات الحديثة، كذلك فإن قطاع البنات بالمؤسسة يقدم برامج في مجال التزيين والتجميل والبرمجيات والخياطة والتطريز والتصاميم وغيرها.

ولما كان التدريب التقني جهازا يتشارك مع باقي الأجهزة الحكومية في برنامج التحول الوطني فقد قامت TVTC بإطلاق مبادرات شملت برامج تدريبية مرنة للمتدرب في أي مرحلة من مراحل التدريب ومنحه «وثيقة إتقان»، كذلك بدأت مشاريع بناء القدرات CBC وشجعت الشراكات الاستراتيجية مع القطاع الخاص، وتوسعت في الوحدات التدريبية التابعة لها من كليات ومعاهد.

ولأن المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني تستثمر في الشباب وتراهن على التاجر ورب العمل وتهدف إلى خدمة الجميع فإن المجتمع بأسره يمثل وقودا بالنسبة لها، مما يوجب على كل شرائحه دورا وطنيا يساند التدريب التقني، وذلك بأن تتبنى الأسر تعزيز قيم العمل لدى الأبناء والبنات، وأن تخلق بين أفرادها تمردا صحيا على القيم البالية التي تنظر إلى المهنة بدونية وانتقاص.

ولصاحب العمل دور محوري في دعم التدريب التقني من خلال الترحيب بمخرجاتها والتشجيع لمنتجها والتحلي بالصبر في رحلة بناء الخبرة العملية للملتحقين بالعمل، وتعزيز معالجة ما قد يعتري الشباب والشابات من قصور ميداني من خلال برامج التدريب على رأس العمل on- the- job training. وللتدريب التقني على باقي المجتمع حق بألا يتأخروا عن الانخراط في برامجه المندرجة تحت مسمى «المسؤولية المجتمعية»، ومنها مبادرة (أتقن) التي أعدت للجميع لتشمل صيانة الجوالات وأساسيات الكهرباء ومبادئ الميكانيكا العامة والحاسب الآلي والشبكات والتصميمات وغيرها كثير، والتي ستنطلق مجددا في دورتها الرابعة مطلع الأسبوع المقبل. وحينما نحتفي جميعا بهذا التكامل بين المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني (رائدة التدريب الحكومي) وبين المستفيدين منها أفرادا وجماعات ومنظمات، فإننا سنكون - بحول الله - على موعد مع عطاء لا ينفد واقتصاد لا يلين ورؤية تأخذ الجميع إلى آفاق رحبة من التقدم والعصرية، لنحجز لنا بين الأمم مكانا متقدما قوامه (التدريب التقني) ووقوده (المجتمع) ومستقبله (التدريب التقني والمجتمع)، لوطن عزيز وقيادة حكيمة وشعب جبار عظيم.

dralaaraj@