حسن علي القحطاني

لبنان.. الصمت سيد الموقف

السبت - 27 أكتوبر 2018

Sat - 27 Oct 2018

شعرت بارتياح بعد إعلان اقتراب تشكيل حكومة لبنانية مطلع الأسبوع الماضي، ثم بدأ هذا الشعور بالتلاشي تدريجيا مع ولادة عقبات جديدة، فالوضع الحزبي اللبناني المعتل أوصل لبنان إلى مرحلة هي الأخطر من نوعها منذ توقيع اتفاق الطائف كوثيقة للوفاق الوطني اللبناني بين الأطراف المتنازعة برعاية سعودية في 30 سبتمبر 1989 في مدينة الطائف.

إن أي متابع يصاب بالحيرة أمام قراءة المشهد السياسي الداخلي للشأن اللبناني، لما يحويه من مفارقات عجيبة من أهمها الصراع الحزبي الشرس على الحقائب الوزارية بمختلف فئاتها الثلاث، السيادية أو الخدمية أو ما تم استحداثه باسم وزارات موازنة، وبكل بساطة ما إن تنحل عقده حتى تعود كل العقد، فالاصطفاف والاستقطاب اللذين عرفهما لبنان في السنوات الماضية وصلا داخليا إما إلى طريق مسدود أو إلى لحظة إعادة خلط الأوراق وإن كانت مرهقة، ومن يتابع تصريحات المعنيين على المستوى الرسمي اللبناني يلاحظ التذبذب بين التنازلات الوقتية والتشنجات الدائمة في التعبير عن المواقف تحت شعار خدمة الشأن العام.

ومن المفارقات أن الانتخابات النيابية عدلت تركيبة البرلمان رقميا، لكنها في الخلاصة اللبنانية لم تأت بشيء جديد، ولم تعدل حقائق الإجماع السياسي والاجتماعي حول ميزان الثقل الطائفي والمذهبي والعرفي، وهذا يجعل أي حكومة تتشكل تواجه كما هائلا من الأزمات المتراكمة، وتترك باب الفصل في القضايا المحورية مفتوحا أمام مصالح الأحزاب والطوائف.

المفارقة الأخطر في لبنان هي قصور من يتغاضى أو يتغافل عن مسؤولية بعض اللبنانيين عن مواقف تؤثر على مصالح لبنان عربيا وإقليميا، والتبرير العقيم بالفصل الدائم بين لبنان وبعض اللبنانيين، وبين لبنان الدولة وأداء بعض المسؤولين فيها، بل إنه صار أمرا عبثيا، وغير منطقي، وغير سوي الاستمرار فيه أمام سياسات وممارسات (حزب الله اللبناني) المدعوم من إيران والتغاضي عن الجرائم التي يقوم بها في اليمن وسوريا والعراق.

ما يلفت النظر التزام الرئيس سعد الحريري بالصبر والصمت، وربما اعتاد عليهما، أو اكتسبهما من تجاربه السابقة، أو ينتظر انجلاء الأمور حتى يتحدث للعلن، فالواقع جعله أمام معطيات عدة متقاطعة، فهو أمام تشكيل حكومة ضرورة، ليست بالتشكيلة المثالية لكنها وليدة أحكام الجغرافيا السياسية والإقليمية والدولية، وربما وصل في تشكيلها إلى المربع الأخير، إلا أن عرس المصالحة بين القوات والتيار الوطني قد يكون واجهة لطلاق من نوع ما، أو رجوعا إلى المربعات السابقة.

ثم إن أمام الحريري مهمة شاقة تتمثل في وقف التدهور في المحاور الثلاثة الأساسية؛ السياسة والاقتصاد والخدمات، فإصلاح الواقع السياسي وتجاوزه هما ما يتعلق بالأوزان والأحجام والأطماع الحزبية لأنها تمثل ترفا في غير زمانه ولا مكانه، والعمل على إنقاذ الاقتصاد اللبناني المتدهور، ومعالجة تدني الخدمات التي أصبحت هاجس كل لبناني، كل هذا يمثل عبئا ثقيلا على أي حكومة قادمة.

أخيرا، اللبنانيون ذاقوا مرارة كل هذا، وأصبحت متطلبات العيش لديهم أولى وأبدى من الاصطفاف الخلافي الكاذب والعناد الصوتي خلف من يعبث بحاضرهم ومستقبلهم، ولعلها تتولد لديهم نضجا إجباريا يوصلهم لوعي كاف بخطورة المرحلة التي تمر بهم، وضرورة التفافهم حول رئيس حكومتهم قبل أن ينفد صبره.

hq22222@