جثة أبها تفتح ملف رحلة الموت للمجهولين

سماسرة ينقلون مجهولي الهوية للحدود.. والبحر مصير من يتعرض لوعكة
سماسرة ينقلون مجهولي الهوية للحدود.. والبحر مصير من يتعرض لوعكة

الاحد - 14 أكتوبر 2018

Sun - 14 Oct 2018

أعادت قضية «جثة أبها» التي عثر عليها أخيرا ملفوفة ببطانية وموضوعة على سرير وسط أحد الطرق السياحية غرب أبها، فتح ملف مجهولي الهوية والمتسللين الذين يعتبرون أحد التحديات الأمنية في منطقة عسير والمحافظات الحدودية المجاورة لها.

والتقت «مكة» عددا من مجهولي الهوية من الجنسيات الأفريقية في المنطقة، واستمعت إلى حقائق ومعلومات صادمة في رحلتهم الطويلة التي يطلق عليها البعض «رحلة الموت» بعد أن تحول الدخول إلى الأراضي السعودية إلى حلم للكثير منهم، وقد تشهد السيناريو نفسه الذي آلت له «جثة أبها».

بداية المأساة

تحمل الرحلة الكثير من المتاعب وربما تنتهي بصورة مأساوية، حسب اتفاق جميع روايات الأفارقة الذين يؤكدون أنها تبدأ بالتنسيق الجماعي عن طريق سماسرة يتكفلون بنقلهم للحدود اليمنية عبر البحر، من خلال مراكب تقليدية لا تتحمل أي مخاطر، مؤكدين أن من يلقى حتفه يتم رمي جثته في البحر من قبل مسؤولي المركب، ومن يتعرض لأزمة صحية مهما كانت يتم التخلص منه بالطريقة نفسها.

الزحف للحدود

يقول أحد مجهولي الهوية «أنور» بعد الوصول إلى الأراضي اليمنية يتم التنسيق مع سماسرة من أبناء جلدتنا يعيشون في اليمن، ومعهم أشخاص من جنسيات أخرى، يقومون بجمعنا بأعداد مهولة في أودية، ومن ثم يتم حجزنا حتى يقوم كل فرد بدفع المبالغ التي تخصه، والتي تتضمن تكاليف الأكل والشرب والنقل عبر سيارات إلى الحدود السعودية قبل أن تنتهي مهمتهم.

يضيف: «في حال عدم دفع المبالغ الخاصة بكل فرد لا يتم نقله ويترك في العراء، وقد يتعرض للتعذيب من قبل بعض السماسرة المنافسين لهم، وإذا كان من ضمن الأشخاص نساء فإنهن يتعرضن لأمور أسوأ من ذلك بكثير»

التسلل المستحيل

يقول متسلل آخر يطلق على نفسه «جابر» المرحلة الأصعب هي عبور الحدود إلى السعودية، لما تشهده من تواجد أمني، مشيرا إلى أن السماسرة باتوا يعرفون طرقا وعرة يتم التسلل من خلالها ليلا بعيدا عن أعين الأمن السعودي، ومع ذلك لا تمر الأمور دوما بسلام، إذ يتم القبض على أعداد كبيرة من المتسللين من قبل رجال الأمن السعودي على الحدود، مؤكدا أن قليل جدا هم من ينجح في العبور في مهمة تبدو شبه مستحيلة لتجاوز المرحلة الأصعب.

خيانة المهربين

ما يثير الغرابة أن عابري الحدود بصورة غير نظامية يسبق حضورهم للسعودية تنسيقا مع أشخاص داخل المملكة لدرجة أنهم يرسمون لهم خارطة الطريق ويحددون أسماء المدن التي يقصدونها، بل ويتعدى الأمر ذلك إلى التنسيق مع أشخاص يقومون بنقلهم من مكان إلى آخر وهم ما يسمون بـ «المهربين».

يذكر «يوسف» أن التنقل داخل الأراضي السعودية ليس بالأمر السهل، فبالرغم من وجود مهربين ينقلون أعدادا كبيرة منهم من مكان إلى آخر إلا أن المبالغ التي يطلبونها كبيرة، وعدد من المتسللين غير قادرين على الدفع ويضطر للنزول في أقرب مكان والعمل حتى يتمكن من جمع مبالغ تمكنه من السفر للمدينة التي يرغبها. ويؤكد أن المبالغ التي يطلبها المهربون من مجهولي الهوية تتفاوت حسب المسافة، فمثلا النقل من عسير إلى الرياض يكلف 1500 ريال للفرد، وإلى جدة 1300 ريال بينما يكلف النقل إلى الشرقية نحو 2500 ريال للفرد.

مخدرات وأسلحة ونساء

يصنف «إبراهيم» القادمين للسعودية من أبناء جلدته إلى شقين، الأول يرغب في العمل وكسب المال بطرق صحيحة دون الدخول في مشاكل، وهم من يعملون كرعاة أغنام أو مزارعين أو صناعة حجر البناء، وغيرها من المهن، وهم فئة مسالمة في حال تمت مداهمتهم من قبل الأمن فإنهم يسلمون أنفسهم دون مقاومة. أما الشق الثاني فيحمل نوايا سيئة، ويهدفون إلى كسب المال بأقصر الطرق، فيقومون بتصنيع المسكرات وبيع مادة العرق، وآخرون يتاجرون في المخدرات والأسلحة وغيرها.

ويوضح أن هؤلاء المخالفين يسكنون في مناطق وعرة بعسير وجازان، ويتخفون في أماكن بعيدة بحجة أنهم يبيعون الحطب والفحم، وهم في الواقع يروجون الخمور والسلاح والمخدرات، وهم في العادة عصابات يحكمهم شخص واحد، ومسلحون برشاشات وأسلحة بيضاء ولا تخلو تجمعاتهم من وجود نساء من بنات جلدتهم، وهذا النوع يقاوم رجال الأمن بالسلاح ويميل للإجرام بشكل كبير.

أين يوجدون؟

يوجد مجهولو الهوية في أغلب الأحيان على أطراف المدن وفي القرى البعيدة ويتخذون من الجبال مقرا لهم للسكن والعيش بعيدا عن أعين الرقابة، ويؤكد عدد ممن التقينا بهم أن عيشهم في القرى وأطراف المدن يوفر لهم العمل بطرق آمنة بعيدا عن الملاحقات.

عاملات مجهولات

وتنتشر في عسير أكثر من غيرها ظاهرة العاملات غير النظاميات «المجهولات» ويعتبرن جزءا من حكاية التسلل إلى البلاد بطرق غير شرعية، ويذكر «آدم» سمسار عاملات مجهولات أنه يوجد الكثير منهن في المنطقة ويعشن في الجبال في أماكن يسيطر عليها رجال من بني جلدتهن ويتحكمون في إدارة سوق عمل الوافدات اللاتي يعملن في البيوت، مؤكدا أن فرص العمل كبيرة لهن خاصة في المواسم مثل شهر رمضان وفترة الإجازة الصيفية.

4 أسباب وراء انتشار ظاهرة مجهولي الهوية

يحدد المحامي والخبير الشرعي والقانوني الدكتور سعد آل ظفير 4 أسباب وراء انتشار مجهولي الهوية:

  1. قصور القرار رقم 2000 المحدد للجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف، والذي لا يدرج متجاوزي الحدود بصورة غير نظامية ضمن الجرائم الكبيرة، ويتم القبض عليهم والتوقيف ثم الإفراج .

  2. آلية ترحيلهم، فكثير منهم يغادر إلى بلاده بعد شهرين أو ثلاثة مما يحفزه على العودة مجددا.

  3. وجود فرص عمل عدة في عسير وجازان بحكم طبيعتها من أعمال زراعة ورعي وغيره.

  4. وعورة المنطقتين وطبيعة تضاريسهما التي توفر ملاذا آمنا في الجبال المطلة على الساحل التهامي بعيدا عن أعين الرقابة.