علموهم حب الإنسانية!

السبت - 29 سبتمبر 2018

Sat - 29 Sep 2018

الدراسات التي أعدت لمعرفة إن كان الطفل يولد ولديه نزعة للخير أو الشر كثيرة جدا ومتنوعة في أساليبها. وجامعة ييل تميزت في تلك الدراسات، حيث لديها مركز أبحاث خاص في الجامعة للأطفال في مراحل نموهم الأولى (الأطفال الرضع). وما يحدث أن يشاهد هؤلاء الأطفال مشاهد دمى متحركة يقوم بعضها بفعل خير وأخرى بفعل عمل ضار. مثلا: دمية تحاول فتح صندوق ودمية تأتي تساعدها في الفتح وأخرى تحاول غلقه. مثال آخر: دمية تحاول صعود جبل وتأتي دمية لدفعها للأسفل ومنعها من الصعود، وأخرى تساعد الدمية في الصعود. وبعد مثل هذه المشاهد يعرض للأطفال الدمى فغالبا وبنسبة عالية يختارون ويمسكون الدمى التي ساعدت دون غيرها.

نتائج هذه الدراسات توضح لنا أن الطفل يولد ولديه نزعة للخير والمساعدة، وما يحصل أن بعض الأسر تقوم في شهور الطفل الأولى بغرس التعصب والانتقائية والتحيز في أطفالها بوعي أو دون وعي.

كيف تفعل الأسرة ذلك؟

بمنع الطفل من اللعب مع أطفال يمثلون مجموعات مختلفة عنه (في اللون أو العرق أو الجنس). أو بتعزيز اللعب مع أو مشاهدة برامج تمثل مجموعته. ثم عندما يكبر يمارس المجتمع والمدرسة والأصدقاء دورهم في تنمية التحيز على نطاق أكبر، كأن تكون الأسرة أو القبيلة أو الدين أو العرق أو اللون أو الدولة أو اللغة أو الثقافة أفضل من غيرها.

وهذا ما فجره كل من تاجفيل وتيرنر في السبعينات في نظريتهما الشهيرة (نظرية الهوية الاجتماعية)، وهي تشرح كيف أن الفرد منا في تقديره لذاته يرتبط بالجماعة، وكيف أن الجماعات اللا متناهية تختلف في تراكيبها.

وكي أبسط الأمر سأضرب مثلا بسيطا: سارة امرأة تنتمي لمجموعات لا متناهية (دين، مذهب، قبيلة، أسرة، عرق، مهنة، لون، عمر.. إلخ) ولنختر جماعة واحدة سأسميها (أ). منذ صغرها تقوم أسرتها ولاحقا محيطها والإعلام بتعزيز الصور الإيجابية لهذه الجماعة على أنها الأفضل لأسباب ما. في تقديرها لذاتها تقوم سارة بالافتخار ب (أ) لأنها تمثل هويتها الاجتماعية. وتحدث المشكلة عندما تتحول الهوية الاجتماعية إلى مصدر تحقير للجماعات الأخرى أو أنها لا تستحق الخير.

وأمثلة ذلك تتجلى بوضوح في حياتنا اليومية:

ـ الإحسان والتبرعات الخيرية لمجموعات دون غيرها.

ـ الدعاء والتهنئة لا يستحقها بعض المجموعات.

ـ بعض المهن أفضل من غيرها.

ـ أن مجموعة ما تستحق الموت أو الكارثة التي حدثت.

وهذا المثال الأخير قد نراه كثيرا عبر وسائل التواصل الاجتماعية، فكثيرون يفرحون لحدوث مصيبة لجماعة ما، وهذا الفرح هو نتيجة سنوات من تنمية التحيز والانتقائية التي تقول الدراسات إننا لم نولد بها.

لذا على الأسر أن تزرع في أطفالها حب الإنسانية والخير، وتبتعد عن الانتقائية فتعزز مبدأ المساعدة للإنسان لا لنوع المجموعة التي ينتمي إليها. والتبرع للمحتاج من الناس وليس للمحتاج من الجماعة تلك أو غيرها، كي نبتعد عن الانتقائية التي قد تتطور إلى مراحل متطرفة تسعى للأذى.