ياسر عمر سندي

أحسن القصص.. آيات وسلوكيات

الأربعاء - 25 يوليو 2018

Wed - 25 Jul 2018

لكل فعل ردة فعل، ولكل سلوك إنساني رشيد تفسير عقلاني سديد أيضا، فهناك السبب وهنالك المسبب، فالعلاقة وطيدة بين حدوث الفعل وما سيترتب على ذلك من نتائج وتبعات يتحملها الفرد نفسه ومن سيسقط عليه الفعل. فالسلوكيات البشرية تحكمها في الغالب إما نزعة الخير أو الشر، والتصرفات الإنسانية إما أن تكون صادرة لجلب مصلحة ومنفعة أو لدفع خطر ومفسدة، بمعنى أن الإنسان يفعل ما يمليه عليه قلبه وعاطفته وخبراته التراكمية السابقة، ويتحكم في ذلك المايسترو والمحرك لأعضاء أوركيسترا كامل الجسم وهو العقل، فالإشارات التي يصدرها تعمل على دفع السلوك وترجمته، سواء كان ذلك السلوك فعليا، أي يعتمد على تحريك الرجلين واليدين، أو شفهيا يعتمد تحريك اللسان بالكلام وإخراج العبارات، أو إيمائيا كالهمز واللمز واستخدام إشارات الوجه التعبيرية بالترحيب أو الإنكار، فيتضح لنا أن السلوك هو المحور الاجتماعي الرئيس الذي يحاسب عليه الإنسان العاقل من العباد ومن رب العباد.

قال تعالى «لقد كان لكم في يوسف وإخوته آيات للسائلين»، أي دلائل ومواعظ لأخذ العبرة والتعامل بالحكمة والتأني ومحاسبة النفس وتصحيح مسار الحياة بتجديد التوبة والتصبر والبر والتحلم والتغاضي والتواضع والدعاء وانتظار الفرج.

ومن وجهة نظري السلوكية أجد أن أحسن القصص غنية بمجموعة من السلوكيات البشرية التي تبرز الخير والشر، وتنقل لنا كيفية حدوث السلوك الإنساني تجاه الغير، والانتباه إلى ذلك قولا وفعلا وتلميحا. وقام القرآن الكريم في سورة «يوسف» بسردها وإيضاح أسبابها ونتائجها، وسأقف على كل سلوك من السلوكيات الواردة في السورة الكريمة ومناقشته والتعرف عليه من ناحية نفسية.

أولا، أهمية تعزيز سلوك التقرب الدائم من الوالدين، وذلك بالحديث والأنس بهما وبث الأسرار لهما واستجداء النصح والمشورة منهما، وينعكس ذلك حينما أخبر يوسف عليه السلام أباه بالرؤيا.

ثانيا، ضرورة تطبيق سلوك العدل والمساواة بين محبة الأبناء وتوحيد المعاملة، خاصة إذا كانوا غير أشقاء، مع إخفاء الميل لأحدهم خشية إغارة صدور الباقين على الأخ الأكثر حظوة كما فعل إخوة يوسف.

ثالثا، السلوك العدواني المشين والتحجر القلبي الدفين لما قام به إخوة يوسف من رميه في البئر، يدلان على الشخصية الحاقدة بسبب التفريق الوالدي في المعاملة.

رابعا، سلوك التبرير والكذب والبهتان والبكاء كوسيلة للدفاع النفسي الجمعي من إخوة يوسف.

خامسا، سلوك التصبر والتحسب والاسترجاع وقت وقوع المصيبة وحين سماع الخبر السيئ، وهو ما فعله يعقوب عليه السلام.

سادسا، السلوك النفعي في الاستغلال البشري وغير الإنساني من القافلة لكسب المال وببيع طفل صغير لا حول له ولا قوة.

سابعا، سلوك الرحمة والإنسانية من عزيز مصر تجاه يوسف عليه السلام بإكرام مثواه وإيوائه وتربيته.

ثامنا، السلوك المنحرف وغير السوي لامرأة العزيز في مراودتها ليوسف عن نفسه وافترائها عليه بالكذب، ومن ثم سجنه.

تاسعا، سلوك العفة والتحصن ورد الجميل الحسن من يوسف عليه السلام تجاه عزيز مصر، وحفظ البيت الذي تربى فيه وعدم خيانته.

عاشرا، سلوك التريث والعقلانية من عزيز مصر في إظهار الحق والاحتكام لذوي الرشد في حال مواجهة مشكلة ما، واتباع أسلوب التغاضي والتغافل والصفح.

الحادي عشر، السلوك الجمعي لنسوة المدينة في المكر والنميمة والغيبة.

الثاني عشر، سلوك التوكل وتفويض الأمر إلى الله باللجوء إلى الدعاء حال وقوع الهم والغم وصرف المصائب، وأيضا ضرورة حسن اختيار الدعاء، فقد دعا يوسف عليه السلام على نفسه بالسجن واستجاب الله دعاءه.

الثالث عشر، سلوك المؤانسة الأخوية من يوسف عليه السلام لأصحابه في السجن بالتهوين عليهم ومحاورتهم وتسليتهم والاستماع لما لديهم.

الرابع عشر، السلوك الحاذق والذكي والأمين من يوسف عليه السلام مع الملك في تعبير الرؤيا، بالإضافة إلى اجتهاده وعرضه لدوره الإداري والمالي في القيام بهذه المهمة الجسيمة والعظيمة في إنقاذ البلاد والعباد من هلاك متوقع.

الخامس عشر، سلوك التحلم والصبر والتعامل الحسن باستخدام الدهاء الإيجابي من يوسف عليه السلام تجاه إخوته وإكرامه لهم واتباع أسلوب تقديم الحسنة على السيئة لتأليف القلوب.

السادس عشر، سلوك البر وحسن الخلق والتواضع من شخص بمكانة يوسف عليه السلام تجاه أبويه برفعهم على العرش وحفظ الجميل لهما وصفحه عن غدر إخوته أيضا.

فهذه السلوكيات الستة عشر الرئيسة في سورة يوسف تعتبر كبسولات تربوية عظيمة أوردها المولى عز وجل ليخبرنا بكيفية التعامل الوالدي والأخوي والأسري والمجتمعي مع الآخرين، واليقين بأن لكل فعل ردة فعل، فهي بحق أحسن القصص وأعظم الآيات لتهذيب السلوكيات.