محمد صنيتان النفاعي

المعرفة الضمنية وتقتير المكتبة العربية

الجمعة - 20 يوليو 2018

Fri - 20 Jul 2018

المعرفة الضمنية هي المعرفة التي تكتسب من خلال الخبرات المتراكمة مع مرور الأيام حتى تصبح الممارسات من البدهيات أو المسلمات نستحضرها متى ما أردنا.

يقول سعد غالب ياسين عن المعرفة الضمنية «إن المعرفة غير المكتوبة المخزونة في عقل الأفراد والمستقرة في نفوسهم هي المعرفة التي يحفظها العقل وتحتويها الذاكرة الإنسانية وتحاول في فترات متباعدة أن تستذكرها عبر آليات التفكير المعروفة، وهي المعرفة المرمزة وغير المكتوبة، وهي أشبه ما تكون بالمعرفة الصامتة المكتسبة والمسجلة في العقل».

هذه المعرفة عندما تكون في الخبرات الإدارية والعملية والفكرية التي نكتسبها أثناء حياتنا الوظيفية أو ممارساتنا اليومية، لا يسهل مشاركتها مع الآخرين.

وأرى أن هناك سببين رئيسين لذلك هما: صعوبة تدوينها حيث تكون في الرأس وليس في الكراس يستحضرها من يملكها متى أراد ذلك. ومحدودية وصعوبة الوصول إلى الأشخاص الذين يملكونها أيضا، حيث تنحصر فقط في من يعمل معهم أو يكون قريبا منهم وحولهم. مع الأخذ في الاعتبار أن يكون لديهم الاستعداد لنقل ومشاركة هذه المعرفة.

لهذين السببين تكون المكتبة العربية في أمس الحاجة لإثراء محتواها المعرفي الضمني، وذلك عن طريق تدوين الخبرات والممارسات أيا كان نوعها لعموم الاستفادة منها عن طريق توثيقها.

يا حبذا لو فكر أحدهم بتأليف كتاب كمحاولة بسيطة لتوثيق الخبرات الإدارية والعملية المتراكمة التي اكتسبت عبر سنوات قد تمتد لأكثر من ثلاثة عقود من العمل المستمر ما بين المجال التقني أو الإداري.

أغلبنا كان مرؤوسا أو رئيسا خلال حياته العملية، وقد مر بتجارب كثيرة أغلبها يتكرر ويمر بها منسوبو الإدارة على مختلف مستوياتها (العليا والوسطى أو الدنيا). خبرات يحتاجها الرؤساء الجدد، وكذلك الموظفون ذوو الخبرات العملية التي لا تزيد على عقد من الزمن.

أحدهم ذكر لي أنه يجد نفسه يكرر النصائح والإرشادات أو حتى شرح كيفية التعامل مع بعض المواقف الإدارية أو العملية كثيرا، لذلك قلت له: لماذا لا تبدأ التفكير بالتدوين فالمكتبة العربية تفتقد مثل هذا المحتوى. ضربت له مثالا بكتاب الدكتور غازي القصيبي الناجح جدا «حياة في الإدارة» الذي يعتبر مرجعا لكثيرين هذه الأيام. ألم نكن لنخسر كثيرا لو لم يفكر في التدوين؟! هي معرفة ضمنية قد يوافق وقد يختلف معها البعض موجهة بشكل أساسي كما ذكرت للإداريين الجدد والموظفين الشباب الذين يسعون لتطوير وتنمية قدراتهم عن طريق التعلم من خبرات الآخرين.

هناك قول مأثور يقول «العلم في الرأس وليس في الكراس»، بالنسبة لك عزيزي القارئ، معا نقول «العلم من الرأس إلى الكراس»، لعل الاستفادة تصل إلى أكبر شريحة من المجتمع مع توثيق هذه المعرفة الضمنية ورقيا. وقد قيل العلم صيد والكتابة قيده.

نحن معشر الموظفين ذوي الخدمة الطويلة، ما أجمل أن نتحدث عن إنجازاتنا مع أبنائنا والقريبين منا، لعل ذلك يمكننا من إحداث تأثير إيجابي على الآخرين. لكن الأجمل والأجدى هو النظر إلى الوراء، والتأكد من تمرير ونقل كل إنجازاتنا وأعمالنا لجيل الشباب، وضمان إتمام ذلك بشكل سلس وإيجابي. فهؤلاء الشباب هم الذين سيكملون المسيرة لتحقيق مستقبل أكثر إشراقا.

[email protected]