مرزوق تنباك

ما دور الشيوخ في رؤية الشباب؟

الثلاثاء - 10 يوليو 2018

Tue - 10 Jul 2018

لو بحث المرء في مفردتي الشباب والشيوخ لما وجد أكثر من دورانهما على ألسنة الناس واختلافهم حولهما وأيهما يكون أهم وأنفع للناس وعمارة الأرض وأولى في النضال من أجل رغد الحياة وبناء المستقبل، أيهما أهم الشباب أم الشيوخ؟ المقارنة بينهما قد لا تكون منصفة في كل الأحوال، ولكنها قائمة باستمرار بين كل الأجيال وفي كل الأمم والمجتمعات، تثار مثل هذه المقارنة ويطول الجدل حولها والاختلاف في الحكم لأي الفريقين، ويبقى ما فيهما من معنى التقابل والتنازع في بعض الأحيان. ولا شك أن من يطرح المقارنة ومن يبحث في ذلك قد يحتاج إلى مجلدات عما بين هاتين الكلمتين من تقابل وتضاد واختلاف أيضا، فالشباب يمثل في كل معانيه ودلالاته المعنى الواسع للحياة وصناعة المستقبل وتطلعاته وكفته راجحة في كل مقارنة تدعو إليها الحاجة، ولم يحدث أن تغنى الشعراء وكتب الكتاب وضربت الأمثال إلا

على ما للشباب من رونق وجمال، فالشعراء تغنوا بالشباب وندموا على ذهابه وتمنوا عودته وليس ثمة عودة، وكل من تجاوز عصر الشباب الذي حدده أبوالعلاء المعري في قوله السائر مثلا:

وما بعد مر الخمس عشرة من صبي ولا بعد مر الأربعين صباء.

وهذا القياس للأعمار في زمان أبي العلاء معقول عندما كان متوسط عمر الإنسان 50 سنة، أما الآن فقد امتدت الأعمار فلا بد أن يمتد عصر الشباب ويصبح أهل الـ 50 والـ 60 شبابا، وذلك مراعاة للظروف التي يطول فيها سن الشباب حتى يمتد الأمل لمن يطلبه، ولكن المعادلة لا تكون منصفة إذا تجاوزت مكان الشيوخ ودورهم في الحياة وما لهم فيها من سابقة لا ينكرها الشباب، بل لا يستطيع ذلك ولو أراد، فسفينة الشباب في سرعتها واندفاعها ومواجهتها لأمواج الحياة العاتية وصخبها الدائم تحتاج نوخذة الشيوخ ومهارته ومعرفته في طرق البحر ومناطق الأمواج وتضاريس الحياة التي مروا بها وعرفوا مسالكها، وقد يكون بعضهم غاص فيها أو كاد يدركه الغرق فكانت نجاته درسا مفيدا يعلمه للشباب الذين لم يتعرضوا لطبيعة السفينة وخطورتها، ولم يروا غير جمال سطح البحر الهادئ وسمائه الزرقاء المشرقة، ولم يجربوا ظلام الأعماق وبراكينها الثائرة ومسالكها المتعرجة كما عرفها الشيوخ وجربوها.

وفي المحصلة نحتاج حدة الشباب وفتوتهم واندفاعهم وتطلعهم للمستقبل الذي يحاولون صنعه لأنفسهم، ونحتاج خبرة الشيوخ وتجربتهم وأناتهم وتدبرهم للأمور وتقليبها على كل الوجوه الممكنة والإمكانات المعهودة لديهم، باختصار، نحتاج ما لدى الشباب ونحتاج ما لدى الشيوخ حتى ننجح فيما نريد من الحياة وما يريده الشباب منها.

وإذ نلخص في هذه الجملة القصيرة وظيفة الشباب والشيوخ وأهميتهما في المجتمع ودور كل منهما في بناء الوطن الذي يقوم بناؤه على سواعد أبنائه، يبقى الشباب متعة الحياة وجمالها وعليه تقوم آمال الأمة التي تنتظر طاقاته وإمكاناته ليكون رصيدها الأقوى في المستقبل، ولا غرو لو بحثنا في التاريخ البشري منذ وجد الإنسان على الأرض لوجدنا أن الشباب قد كان محور الأمل، وأن الصحائف قد ملئت بكثير من أدبيات الحديث الجم عن هذه المرحلة من عمر الإنسان، ولو قرأنا في تاريخ الأمم القديم والحديث لوجدنا أن نهضة كل أمة تبدأ بشبابها وتقوم على أعمالهم وتضحياتهم. ولكنها تهتدي بخبرة الشيوخ ومعارفهم وتنطلق مما بقي من تجاربهم وإن تقدمت بهم السن.

Mtenback@