ناصر الهزاني

الحرب الفكرية والإعلام الجديد

السبت - 07 يوليو 2018

Sat - 07 Jul 2018

لم تعد معظم الدول تشن الحروب التقليدية من خلال تحريك الجيوش والآليات والمعدات العسكرية كما كان سابقا، بل استبدلت بعضها ذلك بأساليب وطرق جديدة ومتنوعة تؤدي الغرض وتوصل الرسالة للشعوب وتصل للنتيجة المراد تحقيقها.

إن واحدا من أهم تلك الأساليب الحديثة المستخدمة هو التأثير على العقول من خلال صناعة الأفكار وقولبتها بحسب مصالح الدول أو الجهات أو المنضمات المنتجة للأفكار.

ولقد أدركت بعض الدول الكبرى هذه الصناعة مبكرا وعملت على صياغتها وفق مصالحها وما تقتضيه من حماية لأمنها القومي، كما استفادت بعض الجهات والمنظمات الإرهابية من «صناعة الأفكار» وسخرتها لنشر أفكارها المتطرفة بين المجتمعات للتأثير على الشباب وخلق جيل يتماشى مع أفكارها ويتبناها.

لقد أصبح الإعلام، ولا سيما الجديد منه بوسائله ومنصاته المختلفة عبر تويتر وفيس بوك وواتس اب وغيرها من البرامج والتطبيقات الشائعة والمستخدمة بكثرة لدى أفراد المجتمع ساحة وميدانا للحرب الفكرية ولتمرير رسائل وأفكار يراد من خلالها خلق صورة ذهنية عن قضية أو موضوع أو فكرة معينة.

لم يعد تجاهل منصات الإعلام الجديد علاجا ناجعا لتفادي آثارها وتأثيراتها على المجتمع، بل لا بد للجهات سواء كانت حكومات أو مؤسسات رسمية أو شركات من التواجد ومزاحمة منصات الحرب الفكرية التي تسعى لإحداث شرخ في المجتمع من خلال بث وتسريب الشائعات والمعلومات المغلوطة للإضرار بالأمن الوطني وزعزعة ثقة الفرد بقيادته وبمواطنيه ومجتمعه.

لا يمكن اعتبار جميع منصات الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعية مصدرا موثوقا للأخبار أو ناقلا أمينا في كثير من الأحيان، نظرا لعدم وجود معايير تحكم أداء كثير منها، إذ ينتشر من خلالها عديد من الأخبار الزائفة والصور المفبركة والشائعات التي تجد من منصات التواصل الاجتماعية طريقا نحو الانتشار الواسع.

رغم عدم موثوقية بعض تلك المنصات إلا أن التعامل معها ومع ما تنشره يعد أمرا ضروريا وليس ترفا، فإذا أرادت الحكومات والمؤسسات التواجد والحضور في المشهد الإعلامي والاتصالي الحديث بشكل صحيح يضمن لها مكانة متميزة لا بد لها من تقديم نفسها بصورة ولغة مختلفتين ومغايرتين وغير تقليديتين.

إن الاكتفاء بنشر أخبار الحكومة وما تحقق من إنجازات لم يعد كافيا في العصر الحديث لجذب انتباه المجتمع والحصول على التأثير المطلوب الذي تنشده الحكومات والمؤسسات. لهذا لا بد من إعادة صياغة الخطاب الإعلامي وصناعته بطريقة مبتكرة تراعي تسارع نمو الأفكار ومستوى الوعي الذي بدأ يرتفع لدى أفراد المجتمع، والذي يحتم تقديم معلومة في قالب مختصر ومؤثر يرسخ في العقل الباطن للإنسان.

إن إدراك أهمية الصورة في العصر الحديث وما تلعبه من دور مؤثر في الرأي العام يجعل منها أداة قوية إذا أحسن توظيفها واستخدامها بطريقة مغايرة ومختلفة عما كانت عليه في فترات سابقة.

كما لا يمكن الوثوق باستطلاعات الرأي إذا لم تكن مبنية على أسس ومعايير دقيقة.

ولعل استطلاعات الرأي التي أجريت قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة خير مثال، والتي تنبأت بخسارة دونالد ترمب المنافس لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلنتون، حيث فاز ترمب وأصبح رئيسا للولايات المتحدة، وفشلت استطلاعات الرأي ومعظم وسائل الإعلام الأمريكية بما فيها منصات التواصل الاجتماعية التي كانت تتوقع خسارة ترمب.

إن الدول والمنظمات التي تنشد النجاح لنشر أفكارها وقيمها في عصرنا الحديث لا بد أن تعي استراتيجيات التعامل مع الحرب الفكرية التي نمت وتطورت وأصبحت صناعة الأفكار صناعة لا يستهان بها، فمواجهة الفكر المتطرف والأفكار غير السوية لا تمكن إلا من خلال الفكر المبني على قاعدة صلبة ولغة عصرية مفهومة وقريبة للمجتمع ولأفراده.